إذ مقتضى إطلاق الأوّل الترخيص في التطبيق حتى على هذا الفرد ، ومقتضى الثاني عدمه ، فلا مناص في مثله عن الالتزام بالتخصيص ، وأنّ دائرة المأمور به مقيدة بعدم انطباقها على هذا الفرد ، وهذا بخلاف المكروه لما عرفت من اشتماله على الترخيص فلا ينافي الإطلاق.
السادس : خبر عبد الله بن أوفى « إنّ رجلاً سأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فماذا أصنع؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم له : قل سبحان الله والحمد لله » (١) فلو جازت القراءة من المصحف لأمره بذلك.
ولا يخفى أنّ هذا من أردأ أنحاء الاستدلال ، إذ فيه : أوّلاً : أنّ الرواية عامية ولم ترد عن طرقنا فهي ضعيفة السند. وثانياً : أنّ موردها ليست القراءة في الصلاة التي هي محل الكلام ، بل قراءة مطلق القرآن ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه.
وثالثاً : أنّ موردها صورة الاضطرار ، ويجوز فيها القراءة في المصحف إجماعاً.
ورابعاً : أنّ سياقها يشهد أنّ السائل عامّي محض لا يستطيع القراءة في المصحف فلا يمكن أمره بذلك ، فلا يقاس عليه من يتمكن منها الذي هو محل الكلام.
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى هو جواز القراءة في المصحف حتى مع الاختيار ، لإطلاق أدلة القراءة وعدم نهوض ما يوجب التقييد.
هذا ، وربما يستدل للجواز برواية الحسن بن زياد الصيقل قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟ فقال : لا بأس بذلك » (٢).
__________________
(١) سنن البيهقي ٢ : ٣٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٢٠ / ٨٣٢.
(٢) الوسائل ٦ : ١٠٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤١ ح ١.