تلك بصراحة هذه وتحمل على الاستحباب ، إلاّ أنّه ربما يناقش في ذلك في خصوص المقام من وجهين :
أحدهما : سقوط الطائفة الثانية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، فلا تصلح للمعارضة مع الطائفة الأُولى الظاهرة في الوجوب.
وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في الأُصول من منع الكبرى ، وأنّ الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف (١).
وثانياً : على تقدير التسليم فالصغرى ممنوعة ، فانّ الإعراض إنّما يورث الوهن لكشفه عن خلل في السند فلا يوثق بصدوره ، ولذا قيل كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض وهناً وبعداً. ولا ينبغي الريب في حصول الوثوق بصدور جملة من هذه الأخبار ، كيف وهي من الكثرة بمكان تتجاوز حدّ الاستفاضة ، ورواة أكثرها من أعاظم الأصحاب كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما. وقد ضبطها أرباب الحديث في مجاميعهم ، بل قد أفتى جم غفير من أساطين الأعلام بمضمونها من القدماء والمتأخرين ، كالشيخ في النهاية (٢) ، والعلاّمة في المنتهي (٣) والمحقق في المعتبر (٤) ، والديلمي في المراسم (٥) ، وكذا ابن أبي عقيل والإسكافي (٦) وقواه في
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٤٠ ، ٢٤١.
(٢) النهاية : ٧٥.
(٣) انظر المنتهي ١ : ٢٧٢ [ ولكن عبارة المنتهي صريحة في الوجوب وإن نسب الاستحباب إليه جماعة من الأعلام ].
(٤) المعتبر ٢ : ١٧٣.
(٥) المراسم : ٦٩.
(٦) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٦١ ، [ ولم نعثر على قول ابن أبي عقيل والموجود في المختلف وغيره أنّه قائل بالوجوب ].