عليه الآية من التخويف المانع من مقابلة نعمة اللّٰه بالكفران ، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء. وقدّم الرجاء؛ لأنّه سوط النفس الناطقة المحرّك لها نحو الطماح ، والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.
﴿ والشكر طَوْله ﴾ أي : من جملة فضله الواسع ومنّه السابغ ، فإنّ كلّ ما نتعاطاه من أفعالنا مستندٌ إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا ، وهي بأسرها مستندةٌ إلى جوده ومستفادة من نعمه ، وكذلك ما يصدر عنّا من الشكر وسائر العبادات نعمة منه ، فكيف نقابل (١) نعمته بنعمته؟
وقد روي أنّ هذا الخاطر خطر لداود عليهالسلام وكذلك لموسى عليهالسلام فقال : «يا ربّ كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلّا بنعمةٍ ثانيةٍ من نعمك؟» وفي روايةٍ اُخرى : «وشكري لك نعمةٌ اُخرى توجب عليّ الشكر لك» فأوحى اللّٰه تعالى إليه : «إذا عرفت هذا فقد شكرتني» وفي خبرٍ آخر : «إذا عرفت أنّ النعم منّي رضيتُ منك بذلك شكراً» (٢).
﴿ حمداً وشكراً كثيراً كما هو أهله ﴾ يمكن كون «الكاف» في هذا التركيب زائدة ، مثلها في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) لأنّ الغرض حمده بما هو أهله ، لا بحمدٍ يشابه الحمد الذي هو أهله. و «ما» موصولةٌ ، و «هو أهله» صلتها وعائدها ، والتقدير : الحمد والشكر الذي هو أهله ، مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفة لهما. أو نكرةٌ موصوفةٌ بدلاً من «حمداً وشكراً» لئلّا يلزم التكرار. وقد تجعل
____________________
(١) في (ع) : تقابل.
(٢) أوردها الغزالي بتعدّد الخبر واللفظ في إحياء العلوم ٤ : ٨٣ ، وكأنّ المؤلّف قدسسره راجَعَه. وانظر البحار ٧١ : ٣٦ و ٥١ و ٥٥ ، الأحاديث ٢٢ ، ٧٥ ، ٨٦.
(٣) الشورى : ١١.