المشروعية ، وهذا كما ترى من شؤون الاستحباب ، ضرورة أنّ الجزء الوجوبي لا سبيل لتركه سواء أكان مقروناً بالرغبة أم لا كما تقدّم.
الرابعة : كثرة الأسئلة عن القنوت الصادرة من أكابر الرواة وأعاظم أصحاب الأئمّة كزرارة ومحمّد بن مسلم وصفوان وأضرابهم من الأعيان والأجلّاء ، فان نفس هذه الأسئلة المتكاثرة خير دليل بل أقوى شاهد على عدم الوجوب ، بداهة أنّه لو كان واجباً لكان أمراً جليّا وواضحاً بعد شدّة الابتلاء به وأقله في كل يوم خمس مرّات ، فكيف يحتمل خفاء مثله عن مثلهم. وهل هذا إلّا كالسؤال عن وجوب الركوع أو السجود.
ويرشدك إلى ذلك : ما في صحيحة صفوان الجمال قال : «صلّيت خلف أبي عبد الله عليهالسلام أيّاماً فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر» (١) فانّ القنوت لو كان واجباً لم يكن أيّ وجه للتعرّض إليه وتخصيصه بالذكر من بين سائر الأجزاء ، فإنّه نظير أن يقول صلّيت خلف أبي عبد الله عليهالسلام أيّاماً فكان يركع في كل صلاة الّذي فيه من البشاعة ما لا يخفى.
إذن فيكشف التعبير المزبور كشفاً باتاً عن استحباب القنوت في نفسه ، وأنّه عليهالسلام كان مهتماً بهذا الأمر المندوب ومواظباً عليه.
الخامسة : اختلاف أجوبتهم عليهمالسلام عن تلك الأسئلة ، فتارة : نفوا القنوت قبل الركوع وبعده ، وأُخرى : أمروا به في خصوص الفجر ، وثالثة : بضميمة الجمعة والعشاء والعتمة والوتر ، ورابعة : في خصوص الصلوات الجهرية ، وخامسة : في كل فريضة أو نافلة ، فإن خير محمل لهذا الاختلاف هو كشفه عن ابتناء الحكم على الاستحباب مع نوع من التقيّة واختلاف في مراتب الفضيلة.
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٢٦١ / أبواب القنوت ب ١ ح ٣.