وفيه : أنّه حكاية فعل صادر عنه عليه‌السلام وهو أعم من الوجوب فلا يدل عليه.

فتحصّل : أنّ شيئاً من الروايات المتقدِّمة لا يمكن الاستدلال بها على الوجوب لضعفها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو عدا صحيحة الأزدي بإطلاقها.

وبإزاء هذه الأخبار موثقة زرارة قال : «رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا» (١) فإنّها كما ترى صريحة في عدم الوجوب ، وبها يرفع اليد عن إطلاق صحيح الأزدي ويقيّد برفع الرأس عن السجدة الأُولى ، أو يحمل على الاستحباب كما يحمل عليه بقية الأخبار المتقدِّمة لو سلّم دلالتها على الوجوب.

والمناقشة في الموثقة بدلالتها على مواظبتهما عليهما‌السلام على الترك مع وضوح رجحان الجلوس على الأقل فيكشف عن أنّه كان لعذر وراء الواقع وهو التقيّة ، وإلّا فلا معنى للالتزام بترك المستحب سيّما وهو من توقير الصلاة كما مرّ ، فلا تدل على عدم الوجوب ،

ساقطة ، إذ لم يظهر وجه الدلالة على المواظبة وليست فيها كلمة «كان» المشعرة بالدوام والاستمرار ، ولفظة «إذا» وقتية محضة لا دلالة فيها على الدوام بوجه ، سواء أكانت متعلِّقة بـ «رأيت» أم بـ «نهضا» فالرواية صادقة مع الرؤية مرّة واحدة ، ولا قرينة في البين على حمل الفعل على التقيّة بعد أن كان الطبع الأوّلي مقتضياً للجري على الحكم الواقعي كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ دعوى معارضتها بصحيحة عبد الحميد السابقة أيضاً ساقطة إذ بعد عدم دلالتهما على المواظبة فلا تنافي بين صدور الفعل منه مرّة وقد رآه عبد الحميد ، وصدور الترك اخرى وقد رآه زرارة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٦ / أبواب السجود ب ٥ ح ٢.

۵۵۳