ومن هنا ذكر جماعة آخرون ومنهم الماتن أنّ مناط الجهر والإخفات ظهور الصوت وعدمه.
وهذا أيضاً لا دليل عليه. على أنّ لازمه أن يكون الصوت الشبيه بالمبحوح إخفاتاً ، لعدم ظهور جوهر الصوت معه مع أنّه لا يمكن الالتزام به.
فالظاهر إيكال تحديدهما إلى الصدق العرفي ، فإنّ الإجهار هو الإعلان ويقابله الإخفات ، والمتبع فيه نظر العرف ، فكلما صدق عليه عرفاً أنّه جهر أو أنّه إخفات ترتب عليه حكمه.
والظاهر أنّ الصوت الشبيه بالمبحوح ليس من الإخفات في نظر العرف ، فان تمّ هذا الاستظهار فهو ، وإلاّ فماذا يقتضيه الأصل العملي؟
ذكر المحقق الهمداني قدسسره : أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الاشتغال لأنّا مأمورون بالجهر أو الإخفات ، ونشك في الصدق على هذا الفرد فاللاّزم تركه ، واختيار غيره تحصيلاً للفراغ عن عهدة التكليف المقطوع (١).
وذكر بعضهم : أنّ المرجع البراءة ، إذ ليس الشك في المصداق كي يكون من الشك في المكلف به ، بل هو من الشك في التكليف للترديد في سعة المفهوم وضيقه ، وأنّ مفهوم الإخفات هل اعتبرت فيه خصوصية بحيث لا تنطبق على المبحوح أو لا ، ومن المعلوم أنّ المرجع في الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، للعلم بالجامع والشك في الخصوصية الزائدة ، والأصل عدمها.
ولا يخفى أنّ هذا متين بحسب الكبرى. وقد ذكرنا نظائره كثيراً فيما مرّ كالصعيد ونحوه ، إلاّ أنّه لا يمكن الالتزام به في خصوص المقام للعلم الإجمالي باعتبار عدمه ، إمّا في مفهوم الجهر أو في مفهوم الإخفات لعدم الواسطة بين الأمرين ، فانّا مكلفون بالجهر في صلاة الغداة وبالإخفات في صلاة الظهر مثلاً ونعلم إجمالاً بتقيّد أحد التكليفين بعدم وقوع القراءة على صفة المبحوح ، وأصالة
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٣٠١ السطر ٣٦.