فلا بدّ من مراعاة قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي ، وإذا كانا لفظيين يقدّم ما كان بالوضع على ما كان بالإطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل والتراجيح (١) ، وفي بحث مقدمة الواجب ، وإذا كانا بالإطلاق كما هو الغالب فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي ، ومقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين ، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب التخييري ، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط والجمع بالتكرار ، لما عرفت من احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير ، فلا يقاس المقام بموارد الدوران بين القصر والتمام ، التي يجب فيها الجمع بينهما ، إذ المتيقن هناك وجوب هذا أو ذاك ولا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملاً بقاعدة الاشتغال.
وأمّا في المقام فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة ، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة : وجوب هذا بخصوصه ، وجوب ذاك بخصوصه ، التخيير بينهما ، وحيث إنّ كلاًّ من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة ، ونتيجة ذلك هو التخيير.
ومنه تعرف ما في كلام الماتن وغيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار والجمع في بعض فروع المسألة فلاحظ. هذا هو حكم الكبرى ، وأمّا التطبيق على المقام ،
ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً وبين ترك الانتصاب ، فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الإطلاقين هو التخيير كما عرفت ، لكن في خصوص المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي ، ولا ينتقل إلى الصلاة جالساً ، وذلك لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى :
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٧٧.