شبهة اخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة
ثمّ اعلم : أنّه بقي هنا شبهة اخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفيّة مطلقا ، وهي : أنّ الموضوع للحكم التكليفيّ ليس إلاّ فعل المكلّف ، ولا ريب أنّ الشارع ـ بل كلّ حاكم ـ إنّما يلاحظ الموضوع بجميع مشخّصاته التي لها دخل في ذلك الحكم ثمّ يحكم عليه.
وحينئذ ، فإذا أمر الشارع بفعل ـ كالجلوس في المسجد مثلا ـ فإن كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه الغير المقيّد بشيء أصلا ، فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه إلاّ بالإتيان به ؛ إذ لو ارتفع الوجوب بغيره كان ذلك الرافع من قيود الفعل ، وكان الفعل المطلوب مقيّدا بعدم هذا القيد من أوّل الأمر ، والمفروض خلافه.
وإن كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيّد بقيد ، كان عدم ذلك القيد موجبا لانعدام الموضوع ، فعدم مطلوبيّته ليس بارتفاع الطلب عنه ، بل لم يكن مطلوبا من أوّل الأمر.
وحينئذ فإذا شكّ في الزمان المتأخّر في وجوب الجلوس ، يرجع الشكّ إلى الشكّ في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيّد ، أو الفعل المعرّى عن هذا القيد.
ومن المعلوم عدم جريان الاستصحاب هنا ؛ لأنّ معناه إثبات حكم كان متيقّنا لموضوع معيّن عند الشكّ في ارتفاعه عن ذلك الموضوع ، وهذا غير متحقّق فيما نحن فيه.
وكذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر ؛ لاشتراك الجميع في كون الموضوع لها هو فعل المكلّف الملحوظ للحاكم بجميع مشخّصاته ، خصوصا إذا كان حكيما ، وخصوصا عند القائل بالتحسين والتقبيح ؛ لمدخليّة المشخّصات في الحسن والقبح حتّى الزمان.