نعم ، خصّ البطلان جماعة من الأصحاب بالالتفات العمدي فلا يقدح السهوي منه. وهو وجيه فيما إذا كان الالتفات إلى ما بين اليمين واليسار ، حيث قد ورد أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة ، المحمول على صورة السهو والغفلة كما تقدّم في مبحث القبلة ، فإنّ ذلك يقتضي الصحّة في المقام بالفحوى كما لا يخفى.
وأمّا إذا كان إلى نقطتي اليمين أو الشمال فضلاً عن الخلف لو أمكن فالحكم بالصحّة حينئذ في غاية الإشكال ، فإن عمدة ما يستدل به لذلك هو التمسّك بحديث رفع النسيان ، بل ألحق بعضهم به الإكراه والاضطرار تمسّكاً بحديث رفعهما ، بدعوى أنّ مقتضى رفع قاطعية الالتفات لدى النسيان أو الإكراه فرضه كالعدم وكأنّه لم يكن ، وهو مساوق لصحّة العمل لفرض خلوّه عمّا يمنع عنها.
ويندفع : بما هو المحقّق في محلّه من عدم جريان الحديث في باب الأجزاء والشرائط والموانع لتثبت به صحّة المأتي به ، نظراً إلى أنّ المأمور به إنّما هو الكلِّي والطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية والعرضية المحدودة فيما بين الحدّين وما تعلّق به النسيان أو الإكراه أو الاضطرار إنّما هو فرد من ذلك الجامع. فما تعلّق به النسيان مثلاً غير ما تعلّق به الأمر ، ولا بدّ من تعلّق الرفع بعين ما تعلّق به الوضع ، ولأجله لا يتكفّل الحديث لتصحيح الباقي ، فلا يكون الإتيان بالناقص مجزئاً ، اللهمّ إلّا مع استيعاب العذر لتمام الوقت وهو أمر آخر وتمام الكلام في محلّه (١).
فالصواب عدم الفرق في البطلان بين صورتي العمد والسهو ، عملاً بإطلاقات الأدلّة السليمة عمّا يصلح للتقييد.
ثمّ إنّه قد يظهر من بعض النصوص المعتبرة عدم قدح الالتفات السهوي فيما
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٥ ، الأمر الثالث.