في قبال اللّغة ، مستشهداً له بموثقة سماعة قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ قال : نعم ، قول الله عزّ وجلّ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ ... إلخ (١) وبصحيحة محمّد بن قيس (٢) الواردة بهذا المضمون.
وليت شعري أيّ دلالة في الروايتين على ثبوت الحقيقة الشرعية ، فإنّ غاية مفادهما ورود الركوع في القرآن ، وهل هذا إلّا كورود البيع فيه بقوله تعالى ﴿أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ (٣) فهل مجرّد ذلك يقتضي ثبوت الحقيقة الشرعية ، وهل يلتزم بمثله في البيع ونحوه من ألفاظ المعاملات الواردة في القرآن. فالإنصاف أنّ هذه الدعوى غريبة جدّاً ، بل الصحيح أنّ الركوع يطلق في لسان الشرع على ما هو عليه من المعنى اللّغوي ، غايته مع اعتبار بعض القيود كما هو الحال في البيع ونحوه.
وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية مطلق الانحناء في تحقّق الركوع الواجب في الصلاة ، بل إنّ هذا مسلّم مفروغ عنه عند جميع فرق المسلمين ، عدا ما ينسب إلى أبي حنيفة (٤) من الاكتفاء بذلك وهو متفرِّد به.
إنّما الكلام في تحديد المقدار الواجب ، فالمشهور ما ذكره في المتن من الانحناء بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه بحيث لو أراد وضع شيء منهما عليهما لوضعه ، بل ادّعي الإجماع عليه في كثير من الكلمات وإن اختلف التعبير باليد تارة وبالكف اخرى ، وبالراحة ثالثة. وقد استدلّ له بوجوه.
أحدها : قاعدة الاحتياط ، فانّ فراغ الذمّة عن عهدة التكليف المعلوم
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٣١٢ / أبواب الركوع ب ٩ ح ٧.
(٢) الوسائل ٦ : ٣١١ / أبواب الركوع ب ٩ ح ٦ لكن الموجود فيه وفي التهذيب [٢ : ٩٧ / ٣٦٢] والوافي [٨ : ٦٩٢ / ٦٨٨٠] خال عن ذاك المضمون الّذي حكاه في الحدائق [٨ : ٢٣٥] عن الشيخ.
(٣) البقرة ٢ : ٢٧٥.
(٤) المجموع ٣ : ٤١٠ ، حلية العلماء ٢ : ١١٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٢.