الوجه الأول : ما عن المحقّق العراقي (١) ـ قدّس الله روحه ـ من : أنّ الحديث لمَّا كان امتنانياً ، والامتنان يرتبط برفع التكليف الواقعي المشكوك ببعض مراتبه ـ أي برفع وجوب الاحتياط من ناحيته ، سواء رفعت المراتب الاخرى أوْ لا ـ فلا يكون الرفع في الحديث شاملاً لتلك المراتب ، فالامتنان قرينة محدِّدة للمقدار المرفوع.
ويمكن الاعتراض على هذا الوجه : بأنّ الامتنان وإن كان يحصل بنفي إيجاب الاحتياط ولا يتوقّف على نفي الواقع ولكن لمّا كان نفي إيجاب الاحتياط بنفسه قد يكون بنفي الواقع رأساً أمكن أن تكون التوسعة الممتنّ بها مترتّبةً على نفي الواقع ولو بالواسطة ، ولا يقتضي ظهور الحديث في الامتنان سوى كون مفاده منشأً للتوسعة والامتنان ولو بالواسطة.
الوجه الثاني : أنّ الرفع اذا كان واقعياً فهذا يعني أخذ العلم بالتكليف فيه ، فإن كان بمعنى أخذ العلم بالتكليف المجعول قيداً فيه فهو مستحيل ثبوتاً ، كما تقدم. وإن كان بمعنى أخذ العلم بالجعل قيداً في المجعول فهو ممكن ثبوتاً ، ولكنّه خلاف ظاهر الدليل جدّاً ؛ لأنّ لازم ذلك أن يكون المرفوع غير المعلوم ؛ لأنّ الأول هو المجعول ، والثاني هو الجعل ، مع ظهور الحديث في أنّ العلم والرفع يتبادلان على مصبٍّ واحد ، وهذا بنفسه كافٍ لجعل الحديث ظاهراً في الرفع الظاهري ، وبذلك يثبت المطلوب.
المرحلة الثالثة : في شمول فقرة الاستدلال للشبهات الموضوعية والحكمية ، إذ قد يتراءى أنّه لا يتأتّى ذلك ، لأنّ المشكوك في الشبهة الحكمية هو التكليف ، والمشكوك في الشبهة الموضوعية الموضوع ، فليس المشكوك فيهما من سنخ واحد ليشملهما دليل واحد.
__________________
(١) مقالات الاصول ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، ونهاية الأفكار ٣ : ٢١٣.