القبيل ، فإنّ اعتماده على القرائن المنفصلة يعتبر حالةً متعارفة ، ولا توجد حالات مشابهة في العرف لحالة الشارع ليلاحظ موقف العقلاء منها.

وهذا الاعتراض إنّما قد يتّجه إذا كان دليل الإمضاء متطابقاً في الموضوع مع السيرة العقلائية. فكما أنّ السيرة العقلائية موضوعها المتكلّم الاعتياديّ الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة ، كذلك دليل الإمضاء ، ولكنّ دليل الإمضاء أوسع من ذلك ؛ لأنّ السيرة العقلائية وإن كانت مختصّةً بالمتكلّم الاعتيادي إلاّ أنّها تقتضي الجري على طبقها في كلمات الشارع أيضاً ؛ إمّا للعادة ، أو لعدم الاطّلاع إلى فترةٍ من الزمن على خروج الشارع في اعتماده على القرائن المنفصلة عن الحالة الاعتيادية ، وهذا يشكِّل خطراً على الأغراض الشرعية يُحتِّم الردع لو لم يكن الشارع موافقاً على الأخذ بظواهر كلامه. ومن هنا يكشف عدم الردع عن إقرار الشارع لحجِّية الظهور في الكلام الصادر منه.

تشخيص موضوع الحجّية :

ظهور الكلام في المعنى الحقيقيِّ قسمان ـ كما تقدم (١) ـ : تصوري ، وتصديقي. والظهور التصوري كثيراً مّا لا ينثلم حتى في حالة قيام القرينة المتّصلة على الخلاف. فاذا قال المولى : (اذهب إلى البحر ، وخذ العلم منه) كانت الجملة قرينةً على أنّ المراد بالبحر معنىً آخر غير معناه الحقيقي ، وعلى الرغم من وجود القرينة فإنّ الظهور التصوري لكلمة «البحر» في معناها الحقيقي لا يزول ، وإنّما يزول الظهور التصديقي في إرادة المتكلّم لذلك المعنى الحقيقي ، ومن هنا صحّ

__________________

(١) في الحلقة الثانية ، ضمن البحث عن تحديد دلالات الدليل الشرعي اللفظي ، تحت عنوان : الظهور التصوّري والظهور التصديقي.

۶۰۸۱