[الحجيّة التخييريّة للدليلين المتعارضين :]
وأمّا الشقّ الثالث ـ وهو إثبات الحجّية التخييرية ـ فقد ابطل بأنّ مفاد الدليل هو كون الفرد مركزاً للحجّية ، لا الجامع.
ويلاحظ أنّ الحجّية التخييرية لا ينحصر أمرها بحجّية الجامع ليقال بأنّ ذلك خلاف مفاد الدليل ، بل يمكن تصويرها بحجّيتين مشروطتين ، بأن يلتزم بحجّية كلٍّ من الدليلين لكن لا مطلقاً ، بل شريطة أن لا يكون الآخر صادقاً ، فمركز كلٍّ من الحجّيتين الفرد لا الجامع ، ولكن نرفع اليد عن إطلاق الحجّية لأجل التعارض. ولا تنافي بين حجّيتين مشروطتين من هذا القبيل ، ولا محذور في ثبوتهما إذا لم يكن كذب كلٍّ من الدليلين مستلزماً لصدق الآخر ، وإلاّ رجعنا إلى إناطة حجّية كلٍّ منهما بصدق نفسه ، وهو غير معقول.
فإن قيل : ما دمنا لا نعلم الكاذب من الصادق فلا نستطيع أن نميّز أنّ أيّ الحجّيتين المشروطتين تحقّق شرطها لنعمل على أساسها ، فأيّ فائدةٍ في جعلهما؟
كان الجواب : أنّ الفائدة نفي احتمالٍ ثالث ؛ لأنّنا نعلم بأنّ أحد الدليلين كاذب ، وهذا يعني العلم بأنّ إحدى الحجّيتين المشروطتين فعلية ، وهذا يكفي لنفي الاحتمال الثالث.
وعلى ضوء ما تقدم يتّضح :
أولاً : أنّ دليل الحجّية يقتضي الشمول لأحدهما المعيَّن إذا كان ملاك الحجّية على تقدير ثبوته أقوى فيه ، أو محتمل الأقوائية دون احتمال مماثلٍ في الآخر.
ثانياً : أنّه في غير ذلك لا يشمل كلاًّ من المتعارضَين شمولاً منجّزاً.
ثالثاً : أنّه مع ذلك يشمل كلاًّ منهما شمولاً مشروطاً بكذب الآخر لأجل نفي الثالث ، وذلك فيما اذا لم يكن كذب أحدهما مساوقاً لصدق الآخر.
هذه هي النظرية العامة للتعارض المستقرِّ على مقتضى القاعدة.