وهكذا نستخلص : أنّ الميزان الأساسي لجريان البراءة هو الشكّ في قيود التكليف ، وهي تارةً على وزان مفاد كان التامة كالشكّ في وقوع الزلزلة التي هي قيد لوجوب صلاة الآيات. واخرى على وزان مفاد كان الناقصة بالنسبة إلى عنوان الموضوع ، كالشكّ في خمرية المائع. وثالثةً على وزان كان الناقصة بالنسبة إلى عنوان المتعلق ، كالشكّ في كون الكلام الفلاني كذباً.
استحباب الاحتياط :
عرفنا سابقاً (١) عدم وجوب الاحتياط ، ولكنّ ذلك لا يحول دون القول بمطلوبيته شرعاً واستحبابه ؛ لِما ورد في الروايات (٢) من الترغيب فيه ، والكلام في ذلك يقع في نقطتين :
الاولى : في إمكان جعل الاستحباب المولوي على الاحتياط ثبوتاً ، إذ قد يقال بعدم إمكانه ، فيتعيّن حمل الأمر بالاحتياط على الإرشاد إلى حسنه عقلاً ، وذلك لوجهين :
الأول : أنّه لغو ؛ لأنّه إن اريد باستحباب الاحتياط الإلزام به فهو غير معقول. وإن اريد إيجاد محرِّكٍ غير إلزاميٍّ نحوه فهذا حاصل بدون جعل الاستحباب ، إذ يكفي فيه نفس التكليف الواقعي المشكوك بضمّ استقلال العقل بحسن الاحتياط واستحقاق الثواب عليه فإنّه محرِّك بمرتبةٍ غير إلزامية.
الثاني : أنّ حسن الاحتياط كحسن الطاعة ، وقبح المعصية واقع في مرحلةٍ
__________________
(١) ضمن أدلّة البراءة من الكتاب والسنّة.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي.