مدلول الدليل المحكوم في رتبةٍ سابقة ، كما في «لا ضرر» ، أو «لا ينجِّس الماء مالا نفس له» بالنسبة إلى أدلّة الأحكام وأدلّة التنجيس.
وإذا قارنّا بين الاتّجاهين أمكننا أن ندرك فارقين أساسيّين :
أحدهما : أنّ حكومة الدليل الحاكم على الاتّجاه الثاني تتوقّف على إثبات النظر ، وأمّا على الاتّجاه الأول فيكون الدليل الحاكم بمثابة الدليل الوارد ، وقد مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) أنّه لا يحتاج تقدّمه على دليلٍ إلى إثبات نظره إلى مفاده بالخصوص ، بل يكفي كونه متصرّفاً في موضوعه.
والفارق الآخر : أنّ الاتّجاه الثاني يفسّر حكومة مثل «لا حرج» ، و «لاضرر» ، و «لا ينجِّس الماء مالانفس له» ؛ لوجود النظر فيها ، وأمّا الاتّجاه الأول فلا يمكنه أن يفسّر الحكومة إلاّفيما كان لسانه لسان نفي الموضوع للدليل الآخر.
التقييد :
إذا جاء دليل مطلق ودليل على التقييد فدليل التقييد على أقسام :
القسم الأول : أن يكون دالاًّ على التقييد بعنوانه ، فيكون ناظراً بلسانه التقييدي إلى المطلق ، ويقدَّم عليه باعتباره حاكماً ويدخل في القسم المتقدم.
القسم الثاني : أن يكون مفاده ثبوت سنخ الحكم الوارد في الدليل المطلق للمقيّد ، كما إذا جاء خطاب «أعتق رقبة» ، ثمّ خطاب «أعتق رقبةً مؤمنة».
وفي هذه الحالة إن لم تعلم وحدة الحكم فلا تعارض ؛ وإن علمت وحدة الحكم المدلول للخطابين وقع التعارض بين ظهور الأول في الإطلاق بقرينة
__________________
(١) في بحث التعارض ، تحت عنوان : الحكم الأوّل قاعدة الجمع العرفي.