والنحو الثاني من الشكّ يعني أنّ الجعل ثابت ولا يحتمل نسخه ، غير أنّ الشكّ في مجعوله والحكم المنشأ به ، فلا يعلم ـ مثلاً ـ هل أنّ المولى جعل النجاسة على الماء المتغيّر حتّى إذا زال تغيّره من قبل نفسه ، أو جعل النجاسة منوطةً بفترة التغيّر الفعلي ، فالمجعول مردّد بين فترةٍ طويلةٍ وفترة قصيرة ، وكلّما كان المجعول مردّداً كذلك كان الجعل مردّداً لا محالة بين الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ جعل النجاسة للفترة القصيرة معلوم وجعل النجاسة للفترة الإضافية مشكوك.
ففي النحو الأول من الشكّ ـ إذا كان ممكناً ـ يجري استصحاب بقاء الجعل.
وأمّا في النحو الثاني من الشكّ فيوجد استصحابان متعارضان : أحدهما استصحاب بقاء المجعول ، أي بقاء النجاسة في الماء بعد زوال التغيّر مثلاً ؛ لأنّها معلومة حدوثاً ومشكوكة بقاءً ، والآخر استصحاب عدم جعل الزائد ، أي عدم جعل نجاسة الفترةالإضافية مثلاً ؛ لِمَا أوضحناه من أنّ تردّد المجعول يساوق الشكّ في الجعل الزائد. وهذان الاستصحابان يسقطان بالمعارضة ، فلا يجري استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية.
ولكي نعرف الجواب على شبهة المعارضة هذه ينبغي أن نفهم كيف يجري استصحاب المجعول في الشبهة الحكمية بحدّ ذاته قبل أن نصل إلى دعوى معارضته بغيره؟. فنقول :
[كيفيّة جريان استصحاب المجعول :]
إنّ استصحاب المجعول نحوان :
أحدهما : استصحاب المجعول الفعلي التابع لفعلية موضوعه المقدّر الوجود في جعله ، وهو لا يتحقّق ولا يتّصف باليقين بالحدوث والشكّ في البقاء إلاّبعد تحقّق موضوعه خارجاً ، فنجاسة الماء المتغيّر لا تكون فعليةً إلاّبعد وجود ماءٍ