وقد اعترض المحقّق النائينيّ (١) ـ قدّس الله روحه ـ على ذلك : بأنّ حجِّية الأمارة معناها جعلها عِلماً ؛ لأنّه بنى على مسلك جعل الطريقية ، فمع الشكّ في الحجِّية يشكّ في كونها علماً ، فلا يمكن التمسّك بدليل النهي عن العمل بغير العلم حينئذٍ ؛ لأنّ موضوعه غير محرز.
وجواب هذا الاعتراض : أنّ النهي عن العمل بالظنّ ليس نهياً تحريميّاً ، وإنّما هو إرشاد إلى عدم حجِّيته ، إذ من الواضح أنّ العمل بالظنّ ليس من المحرَّمات النفسية ، وإنّما محذوره احتمال التورّط في مخالفة الواقع ، فيكون مفاده عدم الحجّية ، فإذا كانت الحجّية بمعنى اعتبار الأمارة عِلماً فهذا يعني أنّ مطلقات النهي تدلّ على نفي اعتبارها علماً ، فيكون مفادها في رتبة مفاد حجِّية الأمارة ، وبهذا تصلح لنفي الحجِّية المشكوكة.
مقدار ما يثبت بدليل الحجِّية :
وكلّما كان الطريق حجّةً ثبت به مدلوله المطابقي ، وأمّا المدلول الالتزاميّ فيثبت في حالتين بدون شكٍّ ، وهما :
أوّلاً : فيما إذا كان الدليل قطعياً.
وثانياً : فيما إذا كان الدليل على الحجّية يرتِّب الحجِّية على عنوانٍ ينطبق على الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية على السواء ، كما إذا قام الدليل على حجِّية عنوان (الخبر) وقلنا : إنّ كلاًّ من الدلالة المطابقية والدلالة الالتزامية مصداق لهذا العنوان.
وأمّا في غير هاتين الحالتين فقد يقع الإشكال ، كما في الظهور العرفيّ
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٨٧.