ولكنّ التحقيق : أنّ ذلك لا يدفع [التنافي] بين الأمر والنهي ؛ لأنّ سقوط النهي لو كان لِنَسْخٍ وتبدّلٍ في تقدير الملاكات لأمكن أن يطرأ الأمر بعد ذلك. وأمّا إذا كان بسبب الاضطرار بسوء الاختيار الذي هو نحو من العصيان ، فهذا إنّما يقتضي سقوط الخطاب ؛ لا المبادئ. فالتنافي بلحاظ المبادئ ثابت على كلّ حال.
هذا إذا أخذنا بالقول السابق الذي يقول بأنّ الاضطرار بسوء الاختيار ينافي الاختيار خطاباً. وإذا أنكرنا هذه المنافاة فالأمر أوضح.
[اجتماع الوجوب الغيري مع الحرمة النفسيّة :]
وقد واجه الاصوليّون هنا مشكلة اجتماع الأمر والنهي من ناحيةٍ اخرى في المقام ، وحاصلها : أنّه قد افترض كون الخروج مقدّمةً للتخلّص الواجب من الغصب ، ومقدّمة الواجب واجبة ، فيكون الخروج واجباً فعلاً مع كونه منهيّاً عنه بالنهي السابق الذي لايزال فعلياً بخطابه وروحه معاً ، أو بروحه وملاكه فقط على الأقل ، فهل يلتزم بأنّ الخروج ليس مقدمةً للواجب ، أو بتخصيصٍ في دليل حرمة التصرّف في المغصوب على نحوٍ ينفي وجود نهي من أوّل الأمر عن هذه الحصّة من التصرّف ، أو بانخرامٍ في قاعدة وجوب المقدمة؟ وجوه ، بل أقوال :
أمّا الوجه الأول فحاصله : أنّ الخروج والبقاء متضادّان ، والواجب هو ترك البقاء ، وفعل أحد الضدّين ليس مقدمةً لترك ضدّه ، كما تقدّم في الحلقة السابقة (١).
وهذا الوجه ـ حتّى إذا تمّ ـ لا يحلّ المشكلة على العموم ؛ لأنّ هذه المشكلة لا نواجهها في هذا المثال فقط ، بل في حالاتٍ اخرى لا يمكن إنكار المقدّمية
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضدّه.