٣ ـ دوران الواجب بين التعيين والتخيير العقلي
وذلك بأن يعلم بوجوب متعلّقٍ بعنوانٍ خاصٍّ أو بعنوانٍ آخر مغايرٍ له مفهوماً غير أنّه أعمّ منه صدقاً ، كما إذا علم بوجوب الإطعام إمّا لطبيعيّ الحيوان ، أو لنوعٍ خاصٍّ منه كالإنسان ، فإنّ الحيوان والإنسان كمفهومَين متغايران وإن كان أحدهما أعمّ من الآخر صدقاً.
والصحيح أن يقال : إنّ التغاير بين المفهومين تارةً يكون على أساس الإجمال والتفصيل في اللحاظ ، كما في الجنس والنوع ، فإنّ الجنس مندمج في النوع ومحفوظ فيه ولكن بنحو اللَفِّ والإجمال. واخرى يكون التغاير في ذات الملحوظ لا في مجرّد إجمال اللحاظ وتفصيليته ، كما لو علم بوجوب إكرام زيدٍ كيفما اتّفق أو بوجوب إطعامه ، فإنّ مفهوم الإكرام ليس محفوظاً في مفهوم الإطعام انحفاظ الجنس في النوع ، غير أنّ أحدهما أعمّ من الآخر صدقاً.
فالحالة الاولى تدخل في نطاق الدوران بين الأقلِّ والأكثر حقيقةً إذا أخذنا بالاعتبار مقدار ما يدخل في العهدة ، وليست من الدوران بين المتباينين ؛ لأنّ تباين المفهومين إنمّا هو بالإجمال والتفصيل ، وهما من خصوصيات اللحاظ التي لا تدخل في العهدة ، وإنمّا يدخل فيها ذات الملحوظ وهو مردّد بين الأقلّ ـ وهو الجنس ـ أو الأكثر وهو النوع.
وأمّا الحالة الثانية فالتباين فيها بين المفهومين ثابت في ذات الملحوظ ، لا في كيفية لحاظهما ، ومن هنا كان الدوران فيها دوراناً بين المتباينين ؛ لأنّ الداخل في العهدة إمّا هذا المفهوم ، أو ذاك ، وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي ثابت ، ولكن مع هذا تجري البراءة عن وجوب أخصّ العنوانين صدقاً ، ولا تعارضها