[دلالة النهي :]
وكلّ ما قلناه في جانب مادّة الأمر وهيئته ، والجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب يقال عن مادّة النهي وهيئته والنفي الخبريّ المستعمل في مقام النهي ، غير أنّ مفاد الأمر طلب الفعل ، ومفاد النهي الزجر عنه.
وكما توجد أوامر إرشادية توجد نواهٍ إرشادية أيضاً ، والمرشَد إليه : تارةً يكون حكماً شرعياً ، كالمانعية في (لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه) ، واخرى نفي حكمٍ شرعيٍّ من قبيل (لا تعمل بخبر الواحد) فإنّه إرشاد إلى عدم الحكم بحجّيته ، وثالثةً يكون المرشَد إليه شيئاً تكوينياً ، كما في نواهي الأطبّاء للمريض عن استعمال بعض الأطعمة إرشاداً إلى ضررها.
[الفور والتراخي ، والمرّة والتكرار :]
ثمّ إنّ الأمر لا يدلّ على الفور ، ولا على التراخي ، أي أنّه لا يستفاد منه لزوم الإسراع بالإتيان بمتعلّقه ، ولا لزوم التباطؤ ؛ لأنّ الأمر لا يقتضي إلاّالإتيان بمتعلّقه ، ومتعلّقه هو مدلول المادّة ، ومدلول المادّة طبيعيّ الفعل الجامع بين الفرد الآنيّ والفرد المتباطَأ فيه.
كما أنّ الأمر لا يدلّ على المرّة ، ولا على التكرار ، أي أنّه لا يستفاد منه لزوم الإتيان بفردٍ واحدٍ أو بأفرادٍ كثيرة ، وإنّما تلزم به الطبيعة ، والطبيعة بعد إجراء قرينة الحكمة فيها يثبت إطلاقها البدلي ، فتصدق على ما يأتي به المكلّف من وجودٍ لها ، سواء كان في ضمن فردٍ واحدٍ أو أكثر. فلو قال الآمر : (تصدَّقْ) تحقّق الامتثال بإعطاء فقيرٍ واحدٍ درهماً ، كما يتحقّق بإعطاء فقيرين درهمين في وقتٍ واحد. وأمّا إذا تصدّق المكلّف بصدقتين مترتّبتين زماناً ، فالامتثال يتحقّق بالفرد الأول خاصّة.