الواجب التوصّليّ والتعبّدي
لا شكّ في وجود واجباتٍ لا يخرج المكلّف عن عهدتها إلاّإذا أتى بها بقصد القربة والامتثال ، وفي مقابلها واجبات يتحقّق الخروج عن عهدتها بمجرّد الإتيان بالفعل بأيّ داعٍ كان.
والقسم الأول يسمّى بالتعبّدي ، والثاني يسمّى بالتوصّلي. والكلام يقع في تحليل الفرق بين القسمين ؛ فهل الاختلاف بينهما مردّه إلى عالم الحكم والوجوب؟ بمعنى أنّ قصد القربة والامتثال يكون مأخوذاً قيداً أو جزءاً في متعلق الوجوب التعبّدي ولا يكون كذلك في الوجوب التوصلي ، أو أنّ مردّ الاختلاف إلى عالم الملاك دون عالم الحكم؟ بمعنى أنّ الوجوب في كلٍّ من القسمين متعلّق بذات الفعل ، ولكنّه في القسم الأول ناشئ عن ملاكٍ لا يستوفى إلاّ بضمِّ قصد القربة ، وفي القسم الثاني ناشئ عن ملاكٍ يستوفى بمجرّد الإتيان بالفعل.
ومنشأ هذا الكلام هو احتمال استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّق الأمر. فإن ثبتت هذه الاستحالة تعيّن تفسير الاختلاف بين التعبّدي والتوصّلي بالوجه الثاني ، وإلاّ تعيّن تفسيره بالوجه الأوّل.
ومن هنا يتّجه البحث إلى تحقيق حال هذه الاستحالة ؛ وقد بُرهِن عليها بوجوه :
الأول : أنّ قصد امتثال الأمر متأخِّر رتبةً عن الأمر ؛ لتفرّعه عليه ، فلو اخذ قيداً أو جزءاً في متعلّق الأمر والوجوب لكان داخلاً في معروض الأمر ضمناً ، ومتقدِّماً على الأمر تقدّم المعروض على عارضه ، فيلزم كون الشيء الواحد