لأنّ أمره تابع امتداداً وانكماشاً لمقدار التعبّد ، ودليل الاستصحاب لا يدلّ على أكثر من التعبّد باليقين بالحالة السابقة.
والتحقيق : أنّ تنجّز الحكم يحصل بمجرّد وصول كبراه وهي الجعل ، وصغراه وهي الموضوع ، فاليقين التعبّدي بموضوع الأثر بنفسه منجِّز لذلك الأثر والحكم وإن لم يسرِ إلى الحكم.
ومنه يعرف الحال على التقدير الثالث ، فإنّ اليقين بالموضوع لمّا كان بنفسه منجِّزاً للحكم كان الجري على طبق حكمه داخلاً في دائرة اقتضائه العملي ، فيلزم بمقتضى النهي عن النقض العملي.
فإن قيل : إذا كان اليقين بالموضوع كافياً لِتنجّزِ الحكم المترتّب عليه فماذا يقال عن الحكم الشرعيّ المترتّب على هذا الحكم؟ وكيف يتنجّز مع أنّه لا تعبّد باليقين بموضوعه وهو الحكم الأول؟
كان الجواب : أنّ الحكم الثاني الذي اخذ في موضوعه الحكم الأوّل لا يفهم من لسان دليله إلاّأنّ الحكم الأول بكبراه وصغراه موضوع للحكم الثاني ، والمفروض أنّه محرز كبرىً وصغرى ، جعلاً وموضوعاً ، وهذا هو معنى اليقين بموضوع الحكم الثاني ، فيتنجّز الحكم الثاني كما يتنجّز الحكم الأول.
وأمّا القسم الثاني فلا يثبت بدليل الاستصحاب ؛ لأنّه إن اريد إثبات اللوازم العقلية بما هي فقط فهو غير معقول ، إذ لا أثر للتعبّد بها بما هي. وإن اريد إثبات ما لهذه اللوازم من آثارٍ وأحكام شرعيةٍ فلا يساعد عليه دليل الاستصحاب على التقادير الثلاثة المقتدمة.
أمّا على الأول فلأنّ التنزيل في جانب المستصحَب إنمّا يكون بلحاظ الآثار الشرعية ، لا اللوازم العقلية ، كما تقدم في الحلقة السابقة (١).
__________________
(١) في بحث الاستصحاب ، تحت عنوان : مقدار ما يثبت بالاستصحاب.