وصياغة الركن بهذه الصيغة تجعله بغير حاجةٍ إلى أيّ استدلالٍ سوى ما ذكرناه ، وتسمح حينئذٍ بجريان الاستصحاب حتى فيما إذا لم يكن المستصحَب أثراً شرعياً ، أو ذا أثرٍ شرعي ، أو قابلاً للتنجيز والتعذير بوجهٍ من الوجوه ؛ على شرط أن يكون لنفس التعبّد الاستصحابي به أثر يخرجه عن اللَغويّة ، كما إذا اخذ القطع بموضوعٍ خارجيٍّ لا حكم له تمام الموضوع لحكمٍ شرعيّ ، وقلنا : بأنّ الاستصحاب يقوم مقام القطع الموضوعي بدعوى أنّ المجعول فيه الطريقية فإنّ بالإمكان حينئذٍ جريان الاستصحاب لترتيب حكم القطع وإن لم يكن للمستصحَب أثر ، وهذا معنى إمكان قيامه مقام القطع الموضوعي دون الطريقي في بعض الموارد.
الثانية : أنّ الاستصحاب يتقوّم بأن يكون المستصحَب قابلاً للتنجيز والتعذير ، ولا يكفي مجرّد ترتّب الأثر على نفس التعبّد الاستصحابي ، ولا فرق في قابلية المستصحَب للمنجِّزية والمعذّرية بين أن تكون باعتباره حكماً شرعياً ، أو عدم حكمٍ شرعي ، أو موضوعاً لحكم أو دخيلاً في متعلّق الحكم ، كالاستصحابات الجارية لتنقيح شرط الواجب ـ مثلاً ـ إثباتاً ونفياً.
ومدرك هذه الصيغة ـ التي هي أضيق من الصيغة السابقة ـ استظهار ذلك من نفس دليل الاستصحاب ؛ لأنّ مفاده النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، والنقض هنا ليس هو النقض الحقيقي ؛ لأنّه واقع لا محالة ولا معنى للنهي عنه ، وإنمّا هو النقض العملي ، وفرض النقض العملي لليقين هو فرض أنّ اليقين بحسب طبعه له اقتضاء عملي لينقض عملاً ، والاقتضاء العملي لليقين إنمّا يكون بلحاظ كاشفيته ، وهذا يفترض أن يكون اليقين متعلّقاً بما هو صالح للتنجيز والتعذير لكي يكون (١)
__________________
(١) هذه العبارة ـ من قوله : «لكي يكون» إلى قوله : «النقض العملي» ـ وجدناها ثابتةً في النسخة الخطّية الواصلة إلينا ، وهي ساقطة عن الطبعة الاولى والطبعات التي اتبعتها.