ـ فكلّما تنجَّز الحدوث تنجَّز البقاء ـ لزم بقاء بعض أطراف العلم الإجمالي منجَّزةً حتى بعد انحلاله بعلمٍ تفصيلي ؛ لأنّها كانت منجّزةً حدوثاً ، والمفروض أنّ دليل الاستصحاب يجعل الملازمة بين الحدوث والبقاء في التنجّز.
وهذا الاعتراض غريب ؛ لأنّ المراد بالملازمة : الملازمة بين الحدوث الواقعي والبقاء الظاهري ، ومردّ ذلك في الحقيقة إلى التعبّد بالبقاء منوطاً بالحدوث ، فلا يلزم شيء ممّا ذكر.
والصحيح أن يقال : إنّ مردَّ هذا الوجه إلى إنكار الأساس الذي نجمت عنه المشكلة ، وهو ركنيّة اليقين المعتمدة على ظهور أخذه إثباتاً في الموضوعية ، فلابدّ له من مناقشة هذا الظهور ؛ وذلك بما ورد في الكفاية (١) من دعوى : أنّ اليقين باعتبار كاشفيته عن متعلّقه يصلح أن يؤخذ بما هو معرِّف ومرآة له ، فيكون أخذه في لسان دليل الاستصحاب على هذا الأساس ، ومرجعه إلى أخذ الحالة السابقة.
وهذه الدعوى لابدّ أن تتضمّن ادّعاء الظهور في المعرِّفية ؛ لأنّ مجرّد إبداء احتمال ذلك بنحوٍ مساوٍ للموضوعية يوجب الإجمال وعدم إمكان تطبيق دليل الاستصحاب في موارد عدم وجود اليقين.
ويرد عليها : أنّ المقصود بما ادُّعي إن كان إبراز جانب المرآتية الحقيقيّة لليقين بالنسبة إلى متيقّنه فمن الواضح أنّها إنمّا تثبت لواقع اليقين في افق نفس المتيقّن الذي يرى من خلال يقينه متيقّنه دائماً ، وليست هذه المرآتية ثابتةً لمفهوم اليقين ، فمفهوم اليقين كأيِّ مفهومٍ آخر إنمّا يلحظ مرآةً إلى أفراده ، لا إلى متيقّنه ؛ لأنّ الكاشفية الحقيقية التي هي روح هذه المرآتية من شؤون واقع اليقين ، لا مفهومه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٦١.