٢ ـ الدوران بين الأقلّ والأكثر في الشرائط
والتحقيق فيها ـ على ضوء المسألة السابقة ـ هو جريان البراءة عن وجوب الزائد ؛ لأنّ مرجع الشرطية للواجب إلى تقيّد الفعل الواجب بقيدٍ وانبساط الأمر على التقيّد ، كما تقدم في موضعه (١) ، فالشكّ فيها شكّ في الأمر بالتقيّد ، والدوران إنمّا هو بين الأقلّ والأكثر إذا لوحظ المقدار الذي يدخل في العهدة ، وهذا يعني وجود علمٍ تفصيليٍّ بالأقلّ وشكٍّ بدويٍّ في الزائد ، فتجري البراءة عنه.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشرط المشكوك راجعاً إلى متعلق الأمر ، كما في الشك في اشتراط العتق بالصيغة العربية واشتراط الصلاة بالطهارة ، أو إلى متعلّق المتعلق ، كما في الشكّ في اشتراط الرقبة التي يجب عتقها بالإيمان ، أو الفقير الذي يجب إطعامه بالهاشمية.
وقد ذهب المحقّق العراقي (٢) ـ قدّس الله روحه ـ إلى عدم جريان البراءة في بعض الحالات المذكورة ، ومردّ دعواه إلى أنّ الشرطية المحتملة على تقدير ثبوتها تارةً تتطلّب من المكلف في حالة إرادته الإتيان بالأقلّ أن يكمله ويضمّ اليه شرطه ، واخرى تتطلّب منه في الحالة المذكورة صرفه عن ذلك الأقلّ الناقص رأساً وإلغاءَه إذا كان قد أتى به ودفعه إلى الإتيان بفردٍ آخر كاملٍ واجدٍ للشرط.
ومثال الحالة الاولى : أن يعتق رقبةً كافرة ، فإنّ شرطية الإيمان في الرقبة تتطلّب منه أن يجعلها مؤمنةً عند عتقها ، وحيث إنّ جعل الكافر مؤمناً ممكن
__________________
(١) بحث الدليل العقلي من الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة ، تحت عنوان : المسؤوليّة تجاه القيود والمقدّمات.
(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٣٩٩.