مبادئ النهي أصلاً ، فيقع من المضطرّ بدون مفسدةٍ ولا مبغوضية. وأمّا أكل لحم الخنزير البعيد عن المكلف فهو واجد للمفسدة والمبغوضية لا محالة. وعدم النهي عنه ليس لأنّ وقوعه لا يساوق الفساد ، بل لأنّه لا يمكن أن يقع.
ونستخلص من ذلك : أنّ مبادئ النهي يمكن أن تكون منوطةً بعدم الاضطرار إلى الفعل ، ولكن لا يمكن أن تكون منوطةً بعدم العجز عن الفعل.
وعليه ففي حالة الاضطرار إلى الفعل في أحد طرفي العلم الإجمالي ـ كما في الحالة الثانية المتقدمة ـ يمكن القول بأ نّه لا علمَ إجماليٌّ بالتكليف ، لا بلحاظ النهي ولا بلحاظ مبادئه.
وأمّا في حالة الاضطرار بمعنى العجز عن الفعل في أحد طرفي العلم الإجمالي ـ كما في المقام ـ فالنهي وإن لم يكن ثابتاً على كلّ تقديرٍ ولكنّ مبادئ النهي معلومة الثبوت إجمالاً على كلّ حال ، فالركن الأول ثابت ؛ لأنّ العلم الإجمالي بالتكليف يشمل العلم الإجمالي بمبادئه.
ويجب أن يفسَّر عدم التنجيز على أساس اختلال الركن الثالث : إمّا بصيغته الاولى ، حيث إنّ الأصل المؤمِّن في الطرف المقدور يجري بلا معارض ، إذ لا معنى لجريانه في الطرف غير المقدور ؛ لأنّ إطلاق العنان تشريعاً في مورد تقيّد العنان تكويناً لا محصّل له. وإمّا بصيغته الثانية ، حيث إنّ العلم الإجمالي ليس صالحاً لتنجيز معلومه على كلّ تقدير ؛ لأنّ التنجيز هو الدخول في العهدة عقلاً ، والطرف غير المقدور لا يعقل دخوله في العهدة.
هذا كلّه فيما إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي غير مقدور. وأمّا إذا كان خارجاً عن محلّ الابتلاء فقد ذهب المشهور إلى عدم تنجيز العلم الإجمالي في هذه الحالة ، واستندوا إلى أنّ الدخول في محلّ الابتلاء شرط في التكليف ، فلا علمَ إجماليٌّ بالتكليف في الحالة المذكورة. فالعجز العقلي عن ارتكاب الطرف