وأمّا الاعتراض الثاني بوجود العلم الإجمالي فقد اجيب عليه بجوابين :
الجواب الأول : أنّ العلم الإجمالي المذكور منحلّ بالعلم الإجمالي بوجود التكاليف في دائرة أخبار الثقات ؛ وفقاً لقاعدة انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير ؛ لتوفّر كلا شرطَي القاعدة فيها ، فإنّ أطراف العلم الصغير بعض أطراف الكبير ، ولا يزيد عدد المعلوم بالعلم الكبير على عدد المعلوم بالعلم الصغير ؛ ومع الانحلال تكون الشبهة خارج نطاق العلم الصغير بدوية ، فتجري البراءة في كلّ شبهةٍ لم يقم على ثبوت التكليف فيها أمارة معتبرة من أخبار الثقات ونحوها ، وهذا هو المطلوب.
وهذا الجواب ليس تامّاً ، إذ كما يوجد علم إجماليّ صغير بوجود التكاليف في نطاق الأمارات المعتبرة من أخبار الثقات ونحوها كذلك يوجد علم إجماليّ صغير بوجود التكاليف في نطاق الأمارات غير المعتبرة ، إذ لا يحتمل ـ عادةً وبحساب الاحتمالات ـ كذبها جميعاً. فهناك إذن علمان إجماليان صغيران والنطاقان وإن كانا متداخلين جزئياً ـ لأنّ الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة قد تجتمع ـ ولكن مع هذا يتعذّر الانحلال ؛ لأنّ المعلومين بالعِلمين الإجماليّين الصغيرين إن لم يكن من المحتمل تطابقهما المطلق فهذا يعني أنّ عدد المعلوم من التكاليف في مجموع الشبهات أكبر من عدد المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير
المفترض في دائرة أخبار الثقات ، وبذلك يختلّ الشرط الثاني من الشرطين المتقدمين لقاعدة انحلال العلم الإجمالي الكبير بالصغير.
وإن كان من المحتمل تطابقهما المطلق فشرطا القاعدة متوفّران بالنسبة إلى كلٍّ من العِلمين الإجماليّين الصغيرين في نفسه ، فافتراض أنّ أحدهما يوجب الانحلال دون الآخر بلا موجب.
الجواب الثاني : أنّ العلم الإجمالي الذي تضمّ أطرافه كلّ الشبهات يسقط عن المنجِّزية باختلال الركن الثالث من الأركان الأربعة التي يتوقّف عليها