الثالثة : إذا حصل التعارض بين الطائفتين فقد يقال بتقديم أدلّة وجوب الاحتياط ؛ لأنّ ما يعارضها من أدلّة البراءة القرآنية الآية الاولى ، على أساس الإطلاق في اسم الموصول فيها للتكليف ، وهذا الإطلاق يقيَّد بأدلّة وجوب الاحتياط. وما يعارضها من أدلّة البراءة في الروايات حديث الرفع ، وهي أخصّ منه أيضاً ؛ لورودها في الشبهات الحكمية ، وشموله للشبهات الحكمية والموضوعية ، فيقيّد بها.
ولكنّ التحقيق : أنّ النسبة بين أدلّة وجوب الاحتياط والآية الكريمة هي العموم من وجه ؛ لشمول تلك الأدلّة موارد عدم الفحص ، واختصاص الآية بموارد الفحص ، كما تقدم عند الكلام عن دلالتها (١) ، فهي كما تعتبر أعمَّ بلحاظ شمولها للفعل والمال كذلك تعتبر أخصَّ بلحاظ ما ذكرناه ، ومع التعارض بالعموم من وجهٍ يقدَّم الدليل القرآني لكونه قطعياً.
كما أنَّ النسبة بين أدلّة وجوب الاحتياط وحديث الرفع العموم من وجهٍ أيضاً ؛ لعدم شموله مواردالعلم الإجمالي ، وشمول تلك الأدلّة لها ، ويقدَّم حديث الرفع في مادة الاجتماع والتعارض ؛ لكونه موافقاً لإطلاق الكتاب ومخالفه معارض له.
ولو تنزّلنا عمّا ذكرناه ممّا يوجب ترجيح دليل البراءة وافترضنا التعارض والتساقط أمكن الرجوع إلى البراءة العقلية على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأمكن الرجوع إلى دليل الاستصحاب ، كما أوضحنا ذلك في الحلقة السابقة (٢).
__________________
(١) ضمن استعراض أدلّة البراءة الشرعيّة ، تحت عنوان : أدلّة البراءة من الكتاب.
(٢) في نهاية ما جاء تحت عنوان : الاعتراضات على أدلّة البراءة.