فيها ، من قبيل مَنْ سبَّب بسوء اختياره إلى الوقوع في مرضٍ مُهلكٍ ينحصر علاجه بشرب الشراب المحرَّم ، فإنّ مقدِّمية الشرب في هذه الحالة واضحة.
وأمّا الوجه الثاني فلا يمكن الأخذ به إلاّمع قيام برهانٍ على التخصيص المذكور بتعذّر أيّ حلٍّ آخر للمشكلة.
وأمّا الوجه الثالث فهو المتعيّن ، وذلك بأن يقال : إنّ المقدمة من ناحية انقسامها إلى فردٍ مباحٍ وفردٍ محرَّمٍ على أقسام :
أحدها : أن تكون منقسمةً إلى فردين من هذا القبيل فعلاً ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو غير المحرَّم خاصّة ؛ لأنّ الملازمة التي يدركها العقل لا تقتضي أكثر من ذلك.
ثانيها : أن تكون منحصرةً أساساً ـ وبدون دخل للمكلف في ذلك ـ في الفرد المحرَّم ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو الفرد المحرَّم إذا كان الوجوب النفسي أهمَّ من حرمته ، وتسقط الحرمة حينئذٍ.
ثالثها : أن تكون منقسمةً أساساً إلى فردٍ مباحٍ وفردٍ محرَّم ، غير أنّ المكلف عجَّز نفسه بسوء اختياره عن الفرد المباح ، وفي هذه الحالة يدرك العقل أنّ الانحصار في الفرد المحرّم غير مسوِّغٍ لتوجّه الوجوب الغيري نحوه ما دام بسوء الاختيار ، فالفرد المحرّم يظلّ على ما هو عليه من الحرمة ، ويكون تعجيز المكلف نفسه عن الفرد المباح من المقدمة مع بقاء الفرد المحرّم على حرمته تعجيزاً له شرعاً عن الإتيان بذي المقدمة ؛ لأنّ المنع شرعاً عن مقدمة الواجب تعجيز شرعيّ عن الواجب ، ولمّا كان هذا التعجيز حاصلاً بسوء اختيار المكلف فيسقط الخطاب المتكفِّل للأمر بذي المقدمة على القول المشهور ، دون العقاب والإدانة.
غير أنّ العقل يحكم بلزوم تحصيل ذي المقدمة ولو بارتكاب المقدمّة المحرّمة ؛ لأنّ ذلك أهون الأمرين ، وهذا يؤدِّي إلى اضطراره إلى ارتكاب الفرد