يتوقّف على حجّية تلك العمومات في العموم ، وهذه الحجّية تتوقّف على عدم وجود مخصِّصٍ لها ، وعدم وجود مخصِّصٍ يتوقّف على كونها رادعةً عن السيرة ، وإِلاّ لكانت مخصَّصةً بالسيرة ولسقطت حجّيتها في العموم.
والجواب على ذلك : أنّ توقف الردع بالعمومات على حجّيتها في العموم صحيح ، غير أنّ حجّيتها كذلك لا تتوقّف على عدم وجود مخصِّص لها ، بل على عدم إحراز المخصِّص ، وعدم إحراز المخصِّص حاصل فعلاً مادامت السيرة لم يعلم بإمضائها ، فلا دور.
الجواب الثالث : ما ذكره المحقّق الإصفهاني (١) من : أنّ ظهور العمومات المدّعى ردعها لا دليل على حجّيته ؛ لأنّ الدليل على حجّية الظهور هو السيرة العقلائية ، ومع انعقادها على العمل بخبر الثقة لا يمكن انعقادها على العمل بالظهور المانع عن ذلك ؛ لأنّ العمل بالمتناقضين غير معقول.
وهذا الجواب غريب ؛ لأنّ انعقاد السيرة على العمل بالظهور معناه انعقادها على اكتشاف مراد المولى بالظهور وتنجّزه بذلك ، وهذا لا ينافي استقرار عملٍ آخر لهم على خلاف ما تنجَّز بالظهور ، فالعمل العقلائيّ بخبر الثقة ينافي مدلول الظهور في العمومات الناهية ، ولا ينافي نفس بنائهم على العمل بهذا الظهور وجعله كاشفاً وحجّة.
فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّه إن ادُّعي كون العمومات رادعةً عن سيرة المتشرِّعة المعاصرين للمعصومين من صحابةٍ ومحدِّثين فهذا خلاف الواقع ؛ لأ نّنا أثبتنا في التقريب الأول أنّ هذه السيرة كانت قائمةً فعلاً على الرغم من تلك العمومات ، وهذا يعني أنّها لم تكن كافيةً للردع وإقامة الحجّة.
__________________
(١) نهاية الدراية ٣ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.