غير قابلٍ للانطباق على الخارج ، وإنّما يؤخذ نحو اللحاظ قيداً لنفس العلقة الوضعية المجعولة للواضع ، فاستعمال الحرف في الابتداء حالة اللحاظ الاستقلاليّ استعمال في معنىً بلا وضع ؛ لأنّ وضعه له مقيّد بغير هذه الحالة ، لا استعمال في غير ما وضع له.

والاتّجاه الثاني : ما ذهب إليه مشهور المحقّقين بعد صاحب الكفاية (١) ، من أنّ المعنى الحرفيّ والمعنى الاسميّ متباينان ذاتاً ، وليس الفرق بينهما باختلاف كيفية اللحاظ فقط ، بل إنّ الاختلاف في كيفية اللحاظ ناتج عن الاختلاف الذاتي بين المعنيين ، على ما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

أمّا الاتّجاه الأوّل فيرد عليه : أنّ البرهان قائم على التغاير السنخيّ والذاتيّ بين معاني الحروف ومعاني الأسماء ، وملخّصه : أنّه لا إشكال في أنّ الصورة الذهنية التي تدلّ عليها جملة (سار زيد من البصرة إلى الكوفة) مترابطة ، بمعنى أنّها تشتمل على معانٍ مرتبطةٍ بعضها ببعض ، فلابدّ من افتراض معانٍ رابطةٍ فيها لإيجاد الربط بين (السير) و (زيد) و (البصرة) و (الكوفة).

وهذه المعاني الرابطة إن كانت صفة الربط عرضيةً لها وطارئةً فلا بدّ أن تكون هذه الصفة مستمدّةً من غيرها ؛ لأنّ كلّ ما بالعَرَض ينتهي إلى ما بالذات ، وبهذا ننتهي إلى معانٍ يكون الربط ذاتياً لها ، وليس شيء من المعاني الاسميّة يكون الربط ذاتياً له ؛ لأنّ ما كان الربط ذاتياً ومقوّماً له ـ وبعبارةٍ اخرى عين حقيقته ـ يستحيل تصوّره مجرّداً عن طرفيه ؛ لأنّه مساوق لتجرّده عن الربط ، وهو خلف ذاتيّته له.

وكلّ مفهومٍ اسميٍّ قابلٌ لأَنْ يُتصوّر بنفسه مجرّداً عن أيّ ضميمة ، وهذا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٤ ـ ١٦ ، ومقالات الاصول ١ : ٨٩ ـ ٩١ ، والمحاضرات ١ : ٥٩ ـ ٦٧.

۶۰۸۱