وأمّا البحوث التحليلية فيفترض فيها مسبقاً أنّ معنى الكلام معلوم ودلالة الكلام عليه واضحة ، غير أنّ هذا المعنى مستفاد من مجموع أجزاء الكلام على طريقة تعدّد الدالّ والمدلول ، فكلّ جزءٍ من المعنى يقابله جزء في الكلام ، ومن هنا قد يكون ما يقابل بعض أجزاء الكلام من أجزاء المعنى واضحاً ولكن ما يقابل بعضها الآخر غير واضح ، فيبحث بحثاً تحليلياً عن تعيين المقابل.

ومثال ذلك : البحث عن مدلول الحرف والمعاني الحرفية ، فإنَّنا حين نقول : (زيد في الدار) نفهم معنى الكلام بوضوح ، ونستطيع بسهولةٍ أن ندرك ما يقابل كلمة (زيدٍ) وما يقابل كلمة (دار) ، وأمّا ما يقابل كلمة (في) فلا يخلو من غموض ، ومن أجل ذلك يقع البحث في معنى الحرف ، وهو ليس بحثاً لغويّاً ، إذ لا يوجد في من يفهم العربية من لا يتصوّر معنى (في) ضمن تصوّره لمدلول جملة (زيد في الدار) ، وإنّما هو بحث تحليليّ بالمعنى الذي ذكرناه.

ومن الواضح أنّ البحث التحليليّ بهذا المعنى لا يرجع فيه إلى مجرّد التبادر أو نصّ علماء اللغة ، بل هو بحث علميّ تولاّه علم الاصول في حدود ما يترتّب عليه أثر في عملية الاستنباط ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى (١).

وأمّا البحوث اللغوية فهي يمكن أن تقع موضعاً للبحث العلميّ في إحدى الحالات التالية :

الحالة الاولى : أن تكون هناك دلالة كلّيّة ، كقرينة الحكمة ، ويراد إثبات ظهور الكلام في معنىً كتطبيقٍ لتلك القرينة الكلّيّة.

ومثال ذلك : أن يقال بأنّ ظاهر الأمر هو الطلب النفسيّ لا الغيري ، والتعيينيّ لا التخييري ؛ تمسّكاً بالإطلاق وتطبيقاً لقرينة الحكمة عن طريق إثبات أنّ الطلب الغيريّ والتخييريّ طلب مقيّد ، فينفى بتلك القرينة ، كما تقدّم في الحلقة

__________________

(١) في نهاية بحث المعاني الحرفيّة ، تحت عنوان : الثمرة.

۶۰۸۱