فإن قيل : ما الفرق بين العلم الإجمالي والعلم التفصيلي ، إذ تقدّم (١) أنّ الترخيص الطريقيّ في مخالفة التكليف المعلوم تفصيلاً مستحيل ، وليس العلم الإجمالي إلاّعلماً تفصيلياً بالجامع؟
كان الجواب على ذلك : أنّ العالم بالتكليف بالعلم التفصيليّ لا يرى التزامه بعلمه مفوِّتاً للملاكات الاقتضائية للإباحة ؛ لأنّه قاطع بعدمها في مورد علمه ، والترخيص الطريقيّ إنّما ينشأ من أجل الحفاظ على تلك الملاكات ، وهذا يعني أنّه يرى عدم توجّه ذلك الترخيص إليه جدّاً. وهذا خلافاً للقاطع في موارد العلم الإجمالي ، فإنّه يرى أنّ إلزامه بترك المخالفة القطعية قد يعني إلزامه بفعل (٢) المباح لكي لا تتحقّق المخالفة القطعية ، وعلى هذا الأساس يتقبَّل توجّه ترخيصٍ جادٍّ إليه من قبل المولى في كلا الطرفين لضمان الحفاظ على الملاكات الاقتضائية للإباحة.
ويبقى بعد ذلك سؤال إثباتي ، وهو : هل ورد الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الإجمالي؟ وهل يمكن إثبات ذلك بإطلاق أدلّة الاصول؟
والجواب : هو النفي ؛ لأنّ ذلك يعني افتراض أهمّية الغرض الترخيصيّ من الغرض الإلزامي ، حتّى في حالة العلم بالإلزام ووصوله إجمالاً ، أو مساواته له على الأقلّ ، وهو وإن كان افتراضاً معقولاً ثبوتاً ولكنّه على خلاف الارتكاز
__________________
(١) في بحث حجّية القطع على مبنى حقّ الطاعة.
(٢) كذا في الطبعة الاولى. ولكن في بعض الطبعات الاخرى كلمة (بترك) بدلاً عن (بفعل) والصحيح ما في الطبعة الاولى خصوصاً مع النظر إلى مثال الشبهة الوجوبية الواردة في المتن ـ وهو العلم الإجمالي بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة ـ فإنّ ترك المخالفة القطعيّة في مثل ذلك يستدعي فعل أحد الطرفين على أقلّ تقدير وقد يكون ذلك الفعل مباحاً في الواقع ، وهذا يعني إلزامه بفعل المباح لا بترك المباح.