وأمّا الصورة الثانية فيجري فيها أيضاً الأصل المؤمِّن عن وجوب الوفاء ، ولا يعارض بالأصل المؤمِّن عن وجوب الحجّ ؛ لأنّ ذلك الأصل ينقِّح بالتعبّد موضوع وجوب الحجّ ، فيعتبر أصلاً سببياً بالنسبة إلى الأصل المؤمِّن عن وجوب الحجّ ، والأصل السببي مقدّم على الأصل المسبَّبي.
وهكذا نعرف أنّ حكم الصورتين عملياً واحد ، ولكنّهما يختلفان في أنّ الأصل في الصورة الاولى بجريانه في وجوب الوفاء يحقِّق موضوع وجوب الحجّ وجداناً ، ويوجب انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي ، ومن هنا كان وجود العلم الإجمالي متوقّفاً على عدم جريانه ، كما عرفت. وأمّا في الصورة الثانية فلا يحقّق ذلك ؛ لأنّ وجوب الحجّ مترتّب على عدم وجوب الوفاء واقعاً ، وهو غير محرزٍ وجداناً ، وإنّما يثبت تعبّداً بالأصل دون أن ينشأ علم تفصيلي بوجوب الحجّ. ولهذا لا يكون جريان الأصل في الصورة الثانية موجباً لانحلال العلم الإجمالي ، وبالتالي لا يكون وجود العلم الإجمالي متوقّفاً على عدم جريانه.
ومن أجل ذلك قد يقال هنا بعدم جريان الأصل المؤمِّن عن وجوب الوفاء على القول بالعلّية ؛ لأنّ مانعية العلم الإجمالي عن جريانه ممكنة ؛ لعدم توقّف العلم الإجمالي على عدم جريانه.
وهناك فارِق آخر بين الصورتين ، وهو : أنّه في الصورة الاولى يجري الأصل المؤمِّن عن وجوب الوفاء (١) ، سواء كان تنزيلياً أوْ لا ، ويحقّق ـ على أيّ حالٍ ـ موضوع وجوب الحجّ وجداناً. وأمّا في الصورة الثانية فإنّما يجري إذا كان تنزيلياً ، بمعنى أنّ مفاده التعبّد بعدم التكليف المشكوك واقعاً ؛ وذلك لأنّ الأصل
__________________
(١) في الطبعة الاولى والنسخة الخطيّة الواصلة إلينا : «وجوب الحجّ» بدلاً عن «وجوب الوفاء» ولكنّ الصحيح ما أثبتناه ، كما يظهر بالتأمّل.