والسبب في ذلك : أنّ نجاسة الطعام المعلومة إجمالاً جزء الموضوع للحرمة ، والجزء الآخر عدم الاضطرار ، وحيث إنّ المكلف يحتمل أنّ النجس المعلوم هو الطعام المضطرّ اليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي ، فتجري البراءة عن حرمة الطعام غير المضطرّ اليه وغيرها من الاصول المؤمِّنة بدون معارض ؛ لأنّ حرمة الطعام المضطرّ اليه غير محتملةٍ ليحتاج الى الأصل بشأنها ، ولكن هذا على شرط أن لا يكون الاضطرار متأخّراً عن العلم الإجمالي ، وإلاّ بقي على المنجِّزية ؛ لانّه يكون من حالات العلم الإجمالي المردّد بين الطويل والقصير ، إذ يعلم المكلف بتكليفٍ فعليٍّ في هذا الطرف قبل حدوث الاضطرار ، أو في الطرف الآخر حتّى الآن.
وقد يفترض الاضطرار قبل العلم ولكنّه متأخّر عن زمان النجاسة المعلومة ، كما إذا اضطرّ ظهراً الى تناول أحد الطعامين ، ثمّ علم ـ قبل أن يتناول ـ أنّ أحدهما تنجّس صباحاً ، وهنا العلم بجامع التكليف الفعلي موجود ، فالركن الأول محفوظ ولكنّ الركن الثالث غير محفوظ ؛ لأنّ التكليف على تقدير انطباقه على مورد الاضطرار فقد انتهى أمده ، ولا أثر لجريان البراءة عنه فعلاً ، فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض.
ويطَّرد ما ذكرناه في غير الاضطرار ايضاً من مسقطات التكليف ، كتلف بعض الأطراف أو تطهيرها ، كما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد إناءين ، ثمّ تلف أحدهما أو غسل بالماء ، فإنّ العلم الإجمالي لا يسقط عن المنجِّزية بطروّ المسقطات المذكورة بعده ، ويسقط عن المنجِّزية بطروّها مقارنةً للعلم الإجمالي أو قبله.
وأمّا الصورة الثانية فلا شكّ في سقوط وجوب الموافقة القطعية بسبب الاضطرار المفروض. وإنّما الكلام في جواز المخالفة القطعية ، فقد يقال بجوازها ،