وقد يجاب على هذا التوهّم : بأنّ الشكّ الذي سقط أصله بالمعارضة هو الشكّ في انطباق المعلوم بالإجمال ، وهذا الشكّ زال بزوال العلم الإجمالي ووجد بدلاً عنه الشكّ البدوي ، وهو فرد جديد من موضوع دليل الأصل ، ولم يقع الأصل المؤمِّن عنه طرفاً للمعارضة ، فيجري بدون إشكال.
وفي كلٍّ من هاتين الصورتين يزول العلم بحدوث الجامع رأساً.
الصورة الثالثة : أن يزول العلم بالجامع بقاءً وإن كان العلم بحدوثه لا يزال مستمرّاً ، وهذه الصورة تتحقّق على أنحاء :
النحو الأول : أن يكون للجامع المعلوم أمد محدَّد بحيث يرتفع متى ما استوفاه ، فإذا استوفى أمده لم يعدْ هناك علم بالجامع بقاء ، بل يعلم بارتفاعه وإن كان العلم بحدوثه ثابتاً.
النحو الثاني : أن يكون الجامع على كلّ تقديرٍ متيقّناً الى فترة ومشكوك البقاء بعد ذلك ، وفي مثل ذلك يزول أيضاً العلم بالجامع بقاءً ولكن يجري استصحاب الجامع المعلوم ، ويكون الاستصحاب حينئذٍ بمثابة العلم الإجمالي.
النحو الثالث : أن يكون الجامع المعلوم مردّداً بين تكليفين ، غير أنّ أحدهما على تقدير تحقّقه يكون أطول مكثاً في عمود الزمان من الآخر ، كما إذا علم بحرمة الشرب من هذا الإناء الى الظهر أو بحرمة الشرب من الإناء الآخر إلى المغرب ، فبعد الظهر لا علم بحرمة أحد الإناءين فعلاً ، فهل يجوز الشرب من الإناء الآخر حينئدٍ لزوال العلم الإجمالي؟
والجواب بالنفي ؛ وذلك لعدم زوال العلم الإجمالي ، وعدم خروج الطرف الآخر عن كونه طرفاً له ، فإنّ الجامع المردّد بين التكليف القصير والتكليف الطويل الأمد لا يزال معلوماً حتى الآن كما كان ، فالتكليف الطويل في الإناء الآخر بكلِّ ما يضمّ من تكاليف انحلالية بعدد الآنات الى المغرب طرف للعلم الإجمالي.