التعارض بين الاصول المؤمِّنة.
وأمّا على القول بالعلّية ـ كما هو مذهب المحقّق العراقي (١) ـ فلا تصحّ الصياغة المذكورة ؛ لأنّ مجرّد كون الأصل في أحد الطرفين لا معارض له لا يكفي لجريانه ؛ لأنّه ينافي علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية ، فلا بدّ من افتراض نكتةٍ في الرتبة السابقة تعطِّل العلم الإجمالي عن التنجيز ، ليُتاحَ للأصل المؤمِّن أن يجري.
ومن هنا صاغ المحقّق المذكور الركن الثالث صياغةً اخرى ، وحاصلها : أنّ تنجيز العلم الإجمالي يتوقّف على صلاحيّته لتنجيز معلومه على جميع تقاديره ، فإذا لم يكن صالحاً لذلك فلا يكون منجِّزاً. وعلى هذا فكلّما كان المعلوم الإجمالي على أحد التقديرين غير صالحٍ للتنجّز بالعلم الإجمالي لم يكن العلم الإجمالي منجّزاً ؛ لأنّه لا يصلح للتنجيز إلاّعلى بعض تقادير معلومه ، وهذا التقدير غير معلوم ، فلا أثر عقلاً لمثل هذا العلم الإجمالي.
ويترتّب على ذلك : أنّ العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً إذا كان أحد طرفيه منجّزاً بمنجّزٍ آخر غير العلم الإجمالي من أمارةٍ أو أصلٍ منجّز ، وذلك لأنّ العلم الإجمالي في هذه الحالة لا يصلح لتنجيز معلومه على تقدير انطباقه على مورد الأمارة أو الأصل ؛ لأنّ هذا المورد منجّز في نفسه ، والمنجّز يستحيل أن يتنجّز بمنجّزٍ آخر ؛ لاستحالة اجتماع علّتين مستقلّتين على أثرٍ واحد. وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي غير صالحٍ لتنجيز معلومه على كلّ حال ، فلا يكون له أثر.
والفرق العملي بين هاتين الصياغتين يظهر في حالة عدم تواجد أصلٍ مؤمِّنٍ في أحد الطرفين ، وعدم ثبوت منجّز فيه ايضاً سوى العلم الإجمالي ، فإنّ
__________________
(١) وقد مضى تحت عنوان : جريان الاصول في بعض الأطراف وعدمه.