وأمّا القائلون بأنّ العلم الإجمالي يستدعي بذاته وجوب الموافقة القطعية فيصحّ البحث عن أساس قولهم ؛ لأنّ جريان الأصل المؤمِّن في بعض الأطراف يرخِّص في ترك الموافقة القطعية ، فلا بدّ من النظر في إمكان ذلك وامتناعه. ومردّ البحث في ذلك إلى النزاع في أنّ العلم الإجمالي هل يستدعي عقلاً وجوب الموافقة القطعية استدعاءً منجّزاً على نحو استدعاء العلّة لمعلولها ، أو استداعاءً معلّقاً على عدم ورود الترخيص الشرعي على نحو استدعاء المقتضي لما يقتضيه ، فإنّ فعليته منوطة بعدم وجود المانع.
فعلى الأول يستحيل إجراء الأصل المؤمِّن في بعض الأطراف ؛ لأنّه ينافي حكم العقل الثابت بوجوب الموافقة القطعية.
وعلى الثاني يمكن إجراؤه ، إذ يكون الأصل مانعاً عن فعلية حكم العقل ورافعاً لموضوعه.
وعلى هذا الأساس وُجِد اتّجاهان بين القائلين باستدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية :
أحدهما : القول بالاستدعاء على نحو العلِّية. وذهب اليه جماعة ، منهم المحقّق العراقي (١).
والآخر : القول بالاستدعاء على نحو الاقتضاء. وذهب اليه جماعة ، منهم المحقّق النائيني على ما هو المنقول عنه في فوائد الاصول (٢).
وقد ذكر المحقّق العراقي رحمهالله في تقريب العلِّية (٣) : أنّه لا شكّ في كون العلم
__________________
(١) مقالات الاصول ٢ : ٢٣٤.
(٢) فوائد الاصول ٤ : ٢٥.
(٣) مقالات الاصول ٢ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.