وهذا الميزان إنما يراد في الشبهات الموضوعية التي قد يحتاج التمييز فيها إلى دقّة ، دون الشبهات الحكمية التي يكون الشكّ فيها عادةً شكّاً في التكليف ، كما هو واضح.
وتوضيح الحال في المقام : أنّ الشبهة الموضوعية تستبطن دائماً الشكّ في أحد أطراف الحكم الشرعي ، إذ لو كانت كلّها معلومةً فلا يتصور شكّ إلاّفي (١) أصل حكم الشارع ؛ وتكون الشبهة حينئذٍ حكمية.
وهذه الأطراف هي : عبارة عن قيد التكليف ، ومتعلّقه ، ومتعلّق المتعلّق له المسمّى بالموضوع الخارجي ، فحرمة شرب الخمر المشروطة بالبلوغ قيدها «البلوغ» ، ومتعلّقها «الشرب» ، ومتعلّق متعلّقها «الخمر». وخطاب «أكرم عالماً اذا جاء العيد» قيد الوجوب فيه «مجيء العيد» ، ومتعلّقه «الإكرام» ، ومتعلّق متعلّقه «العالم».
فإن كان الشكّ في صدور المتعلّق مع إحراز القيود والموضوع الخارجي فهذا شكّ في الامتثال بلا إشكالٍ وتجري أصالة الاشتغال ؛ لأنّ التكليف معلوم ولا شكّ فيه ؛ لبداهة أنّ فعلية التكليف غير منوطةٍ بوجود متعلّقه خارجاً ، وإنّما الشكّ في الخروج عن عهدته ، فلا مجال للبراءة.
وأمّا إذا كان الشكّ في الموضوع الخارجي ، كما إذا لم يحرز كون فردٍ ما مصداقاً للموضوع الخارجي : فإن كان إطلاق التكليف بالنسبة اليه شمولياً جرت البراءة ؛ لأنّ الشكّ حينئذٍ يستبطن الشكّ في التكليف الزائد ، كما اذا قيل : «لا تشرب الخمر» و «أكرم الفقراء» وشكّ في أنّ هذا خمر وفي أنّ ذاك فقير.
__________________
(١) في الطبعة الاولى : (من) بدلاً عن (في) والصحيح ما أثبتناه طبقاً لما ورد في النسخةالخطيّة الواصلة إلينا.