أنّه لا يكلِّف بتكليفٍ إلاّإذا آتاه ، وإيتاء التكليف معناه عرفاً وصوله إلى المكلّف ، فتدلّ الآية على نفي الكلفة من ناحية التكاليف غير الواصلة.
وقد اعترض الشيخ الأنصاريّ رحمهالله (١) على دعوى إطلاق اسم الموصول باستلزامه استعمال الهيئة القائمة بالفعل والمفعول في معنيين ؛ لأنّ التكليف بمثابة المفعول المطلق ، والمال والفعل بمثابة المفعول به ، ونسبة الفعل إلى مفعوله المطلق مغايرة لنسبته إلى المفعول به ، فكيف يمكن الجمع بين النسبتين في استعمالٍ واحد؟
وهناك جوابان على هذا الاعتراض :
الأول : ما ذكره المحقّق العراقيّ رحمهالله (٢) من أخذ الجامع بين النسبتين.
ويرد عليه : أنّه إن اريد الجامع الحقيقي بينهما فهو مستحيل ؛ لِمَا تقدّم في مبحث المعاني الحرفية (٣) من امتناع انتزاع الجامع الحقيقي بين النسب. وإن اريد بذلك افتراض نسبةٍ ثالثةٍ مباينةٍ للنسبتين ، إلاّأ نّها تلائم المفعول المطلق والمفعول به معاً فلا معيِّن لإرادتها من الكلام على تقدير تصور نسبةٍ من هذا القبيل.
الثاني : وهو الجواب الصحيح ، وحاصله : أنّ مادة الفعل في الآية هي الكُلفة بمعنى الإدانة ، ولا يراد بإطلاق اسم الموصول شموله لذلك ، بل لذات الحكم الشرعي الذي هو موضوع للإدانة ، فهو إذن مفعول به ، فلا إشكال.
ثمّ إنّ البراءة التي تستفاد من هذه الآية الكريمة : إن كانت بمعنى نفي الكُلفة بسبب التكليف غير المأتيِّ فلا ينافيها ثبوت الكلفة بسبب وجوب الاحتياط إذا تمّ
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢١ ـ ٢٢.
(٢) مقالات الاصول ٢ : ١٥٣.
(٣) من مباحث تحديد دلالات الدليل الشرعي اللفظي من الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة.