صالحان للتنجيز ، فنحتاج إلى مؤمِّنٍ عن كلٍّ منهما :

أحدهما : احتمال التكليف الواقعي ، ولنسمِّهِ بالاحتمال البسيط.

والآخر : احتمال قيام الحجّة عليه. وحيث إنّ الحجّية معناها إبراز شدّة اهتمام المولى بالتكليف الواقعي المشكوك ـ كما عرفنا سابقاً عند البحث في حقيقة الأحكام الظاهرية (١) ـ فاحتمال الحجّة على الواقع المشكوك يعني احتمال تكليفٍ واقعيٍّ متعلّقٍ لاهتمام المولى الشديد وعدم رضائه بتفويته ، ولنسمِّ هذا بالاحتمال المركّب.

وعليه فالبراءة عن الاحتمال البسيط لا تكفي ، بل لابدّ من التأمين من ناحية الاحتمال المركّب أيضاً ببراءةٍ ثانية.

وقد يعترض على ذلك : بأنّ الأحكام الظاهرية ـ كما تقدّم في الجزء السابق (٢) ـ متنافية بوجوداتها الواقعية ، فإذا جرت البراءة عن الحجّية المشكوكة وفرض أنّها كانت ثابتةً يلزم اجتماع حكمين ظاهريّين متنافيين.

وجواب الاعتراض : أنّ البراءة هنا نسبتها إلى الحجّية المشكوكة نسبة الحكم الظاهري إلى الحكم الواقعي ؛ لأنّها مترتّبة على الشكّ فيها. فكما لامنافاة بين الحكم الظاهري والواقعي كذلك لا منافاة بين حكمين ظاهريّين طوليّين من هذا القبيل. وما تقدّم سابقاً من التنافي بين الأحكام الظاهرية بوجوداتها الواقعية ينبغي أن يفهم في حدود الأحكام الظاهرية العَرضية ، أي التي يكون الموضوع

__________________

(١) في مباحث التمهيد من الجزء الأوّل للحلقة الثالثة ، تحت عنوان : الحكم الواقعي والظاهري.

(٢) في مباحث التمهيد أيضاً تحت عنوان : التنافي بين الأحكام الظاهريّة.

۶۰۸۱