جعل وجوبٍ ظاهريٍّ لذلك الشيء وفقاً لما أخبر به الثقة ، فيلزم على هذا الأساس اجتماع الضدّين ، وهما : الوجوب الظاهري والحرمة الواقعية.

ولكنّ الافتراض المذكور خطأ ؛ لأنّ الصحيح أنّ معنى حجّية خبر الثقة ـ مثلاً ـ جعلُه عِلماً وكاشفاً تامّاً عن مؤدّاه بالاعتبار ، فلا يوجد حكم تكليفيّ ظاهريّ زائداً على الحكم التكليفيّ الواقعيّ ليلزم اجتماع حكمين تكليفيّين متضادّين ؛ وذلك لأنّ المقصود من جعل الحجية للخبر ـ مثلاً ـ جعله منجِّزاً للأحكام الشرعية التي يحكي عنها ، وهذا يحصل بجعله علماً وبياناً تامّاً ؛ لأنّ العلم منجِّز ، سواء كان علماً حقيقةً كالقطع ، أو علماً بحكم الشارع كالأمارة. وهذا ما يسمّى بمسلك (جعل الطريقية).

والجواب على ذلك : أنّ التضادّ بين الحكمين التكليفيّين ليس بلحاظ اعتباريهما حتى يندفع بمجرّد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهريّ من اعتبار الحكم التكليفيّ إلى اعتبار العلمية والطريقية ، بل بلحاظ مبادئ الحكم ، كما تقدّم في الحلقة السابقة (١). وحينئذٍ فإن قيل بأنّ الحكم الظاهريّ ناشئ من مصلحةٍ ملزمةٍ وشوقٍ في فعل المكلّف الذي تعلّق به ذلك الحكم ، حصل التنافي بينه وبين الحرمة الواقعية مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري. وإن قيل بعدم نشوئه من ذلك ـ ولو بافتراض قيام المبادئ بنفس جعل الحكم الظاهريّ ـ زال التنافي بين الحكم الواقعيّ والحكم الظاهري ، سواء جُعِل هذا حكماً تكليفياً ، أو بلسان جعل الطريقية.

ومنها : ما ذكره السيّد الاستاذ (٢) من أنّ التنافي بين الحرمة والوجوب

__________________

(١) ضمن بحث (الحكم الشرعي وأقسامه) من مباحث التمهيد ، تحت عنوان : التضادّ بين الأحكام التكليفيّة.

(٢) مصباح الاصول ٢ : ١٠٨ ـ ١١١.

۶۰۸۱