بمعنى أن لا يكون مشغولاً بامتثال الأمر بالضدّ؟
والأول يعني أنّ كلّ مكلّفٍ بأحد الضدّين لا يكون مأموراً بضدّه ، سواء كان بصدد امتثال ذلك التكليف أوْ لا.
والثاني يعني سقوط الأمر بالصلاة عمّن كلِّف بالإنقاذ ، لكن لا بمجرّد التكليف ، بل باشتغاله بامتثاله ، فمع بنائه على العصيان وعدم الإنقاذ يتوجّه إليه الأمر بالصلاة ، وهذا ما يسمّى بثبوت الأمرين بالضدّين على نحو الترتّب.
وقد ذهب صاحب الكفاية رحمهالله إلى الأول (١) مدّعياً استحالة الوجه الثاني ؛ لأ نّه يستلزم في حالة كون المكلّف بصدد عصيان التكليف بالإنقاذ أن يكون كلا التكليفين فعلياً بالنسبة إليه. أمّا التكليف بالإنقاذ فواضح ؛ لأنّ مجرّد كونه بصدد عصيانه لا يعني سقوطه ، وأمّا الأمر بالصلاة فلأنّ قيده محقّق بكلا جزءيه ؛ لتوفّر القدرة التكوينية ، وعدم الابتلاء بالضدّ بالمعنى الذي يفترضه الوجه الثاني ، وفعلية الأمر بالضدين معاً مستحيلة ، فلابدّ إذن من الالتزام بالوجه الأوّل فيكون التكليف بأحد الضدّين بنفس ثبوته نافياً للتكليف بالضدّ الآخر.
وذهب المحقّق النائينيّ رحمهالله إلى الثاني (٢) ، وهذا هو الصحيح وتوضيحه ضمن النقاط الثلاث التالية :
النقطة الاولى : أنّ الأمرين بالضدين ليسا متضادّين بلحاظ عالم المبادئ ، إذ لا محذور في افتراض مصلحةٍ ملزمةٍ في كلٍّ منهما وشوقٍ أكيدٍ لهما معاً ، ولا بلحاظ عالم الجعل ، كما هو واضح ، وإنّما ينشأ التضادّ بينهما بلحاظ التنافي ، والتزاحم بينهما في عالم الامتثال ؛ لأنّ كلاًّ منهما بقدر ما يحرّك نحو امتثال نفسه
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٦٦ ـ ١٦٧.
(٢) فوائد الاصول ١ : ٣٣٦.