بالظهور في مجال الأغراض التكوينية الشخصية ، والعمل به في مجال الامتثال وتنظيم علاقات الآمرين بالمأمورين.

ففي المجال الأول لا يكتفى بالظهور لمجرّد اقتضائه النوعي ، ما لم يؤثّر هذا الاقتضاء في درجة معتدٍّ بها من الكشف الفعلي. وفي المجال الثاني يكتفى بالكشف النوعي الاقتضائي للظهور تنجيزاً وتعذيراً ، ولو لم يحصل ظنّ فعلي بالوفاق ، أو حصل ظنّ فعلي بالخلاف.

والأمثلة المشار إليها تدخل في المجال الأول لا الثاني.

وهذا الكلام وإن كان صحيحاً وتعميقاً لاعتراض الأعلام ، ولكنّه لا يبرز نكتة الفرق بين المجالين ، ولايحلّ الشبهة التي يستند إليها التفصيل على النحو الذي شرحناه آنفاً.

فالتحقيق الذي يفي بذلك أن يقال : إنّ ملاك حجِّية الظهور هو كشفه ، ولكن لا كشفه عند المكلف ، بل كشفه في نظر المولى ، بمعنى أنّ المولى حينما يلحظ ظواهر كلامه : فتارةً يلحظها بنظرةٍ تفصيلية ، فيستطيع بذلك أن يميِّز بصورةٍ جازمةٍ ما اريد به ظاهره عن غيره ؛ لأنّه الأعرف بمراده. واخرى يلحظها بنظرةٍ إجمالية ، فيرى أنّ الغالب هو إرادة المعنى الظاهر ، وذلك يجعل الغلبة كاشفاً ظنّياً عند المولى عن إرادة المعنى الظاهر بالنسبة إلى كلّ كلامٍ صادرٍ منه حينما يلحظه بنحو الإجمال ، وهذا الكشف هو ملاك الحجِّية ؛ لوضوح أنّ حجّية الأمارة حكم ظاهريّ وارد لحفظ الأغراض الواقعية الأكثر أهمّية ، وهذه الأهميّة قد اكتسبتها الأغراض الواقعية التي تحفظها الأمارة المعتبرة بلحاظ قوة الاحتمال ، كما تقدم في محلّه (١).

__________________

(١) ضمن أبحاث التمهيد في هذه الحلقة ، عند البحث عن الحكم الشرعي وتقسيماته ، تحت عنوان : الأمارات والاصول.

۶۰۸۱