والاخرى بمثابة الكبرى ، وهي أنّ الاتّفاق لا يكون دائمياً ، بمعنى أنّه يمتنع أن يكون هذا الاقتران في كلّ هذه المرّات صدفةً ؛ لأنّ الصدفة لا تتكرّر لهذه الدرجة ، وهذه الكبرى يعتبرها المنطق قضيةً عقليةً أوّلية ، ولا يمكن في رأيه أن تكون ثابتةً بالتجربة ؛ لأنّها تشكِّل الكبرى لإثبات كلِّ قضيةٍ تجريبيّة ، فكيف يعقل أن تكون هي بنفسها قضيةً تجريبيّة؟

وإذا دقّقنا النظر وجدنا أنّ الكبرى التي تعتمد عليها القضية المتواترة مردّها إلى نفس الكبرى التي تعتمد عليها القضية التجريبية ، لأنّ كذب المخبر يعني افتراضَ مصلحةٍ شخصيةٍ معيّنةٍ دعته إلى إخفاء الواقع ، وكذب العدد الكبير من المخبِرين معناه افتراض أنّ مصلحة المخبِر الأول في الإخفاء اقترنت صدفةً بمصلحة المخبر الثاني في الإخفاء ، والمصلحتان معاً اقترنتا صدفةً بمصلحة المخبِر الثالث في الشيء نفسه ، وهكذا ، على الرغم من اختلاف ظروفهم وأحوالهم ، فهذا يعني أيضاً تكرّر الصدفة مرّاتٍ كثيرة.

وعلى هذا الأساس أرجع المنطق الاستدلال على القضية التجريبيّة والقضية المتواترة إلى القياس المكوّن من المقدّمتين المشار اليهما ، واعتقد بأنّ القضية المستدلَّة ليست بأكبر من مقدماتها.

ولكنّ الصحيح : أنّ اليقين بالقضية التجريبية والمتواترة يقين موضوعيّ استقرائي ، وأنّ الاعتقاد بها حصيلة تراكم القرائن الاحتمالية الكثيرة في مصبٍّ واحد ، فإخبار كلّ مخبرٍ قرينة احتمالية ، ومن المحتمل بطلانها ؛ لإمكان وجود مصلحةٍ تدعو المخبر إلى الكذب ، وكلّ اقترانٍ بين حادثتين قرينة احتمالية على العلّية بينهما ، ومن المحتمل بطلانها ـ أي القرينة ـ لإمكان افتراض وجود علّةٍ اخرى غير منظورةٍ هي السبب في وجود الحادثة الثانية ، غير أنّها اقترنت بالحادثة الاولى صدفة ، فاذا تكرّر الخبر أو الاقتران تعدّدت القرائن الاحتمالية

۶۰۸۱