العموم على الكلمة يغنيها عن قرينة الحكمة وتتولّى الأداة نفسها دور تلك القرينة؟
وظاهر كلام صاحب الكفاية رحمهالله (١) أنّ كِلا الوجهين ممكن من الناحية النظرية ؛ لأنّ أداة العموم إذا كانت موضوعةً لاستيعاب ما يراد من المدخول تعيّن الوجه الأول ؛ لأنّ المراد بالمدخول لا يعرف حينئذٍ من ناحية الأداة ، بل من قرينة الحكمة. وإذا كانت موضوعةً لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول للانطباق عليه تعيّن الوجه الثاني ، لأنّ مفاد المدخول صالح ذاتاً للانطباق على تمام الأفراد ، فيتمّ تطبيقه عليها فعلاً بتوسّط الأداة مباشرة. وقد استظهر ـ بحقٍّ ـ الوجه الثاني.
وقد يبرهن على إبطال الوجه الأوّل ببرهانين :
البرهان الأول (٢) : لزوم اللَغوية منه ، كما تقدّم توضيحه في الحلقة السابقة (٣).
ولكنّ التحقيق عدم تمامية هذا البرهان ؛ لعدم لزوم لَغويّة وضع الأداة للعموم من قبل الواضع ، ولا لَغويّة استعمالها في مقام التفهيم من قبل المتكلّم ؛ وذلك لأنّ العموم والإطلاق ليس مفادهما مفهوماً وتصوراً شيئاً واحداً ، فإنّ أداة العموم مفادها الاستيعاب وإراءة الأفراد في مرحلة مدلول الخطاب ، وأمّا قرينة الحكمة فلا تفيد الاستيعاب ، ولا تُري الأفراد في مرحلة مدلول الخطاب ، بل تفيد نفي الخصوصيات ولحاظ الطبيعة مجرّدةً عنها ، فالتكثّر ملحوظ في العموم ، بينما الملحوظ في الإطلاق ذات الطبيعة ، وهذا يكفي لتصحيح الوضع حتّى لو لم ينتهِ إلى نتيجةٍ عمليةٍ بالنسبة إلى الحكم الشرعي ؛ لأنّ الفائدة المترقَّبة من الوضع إنّما هي إفادة المعاني المختلفة. وكذلك يكفي لتصحيح الاستعمال ، إذ قد يتعلّق غرض
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٥٤.
(٢) جاء هذا البرهان في المحاضرات ٥ : ١٥٩.
(٣) في بحث العموم ، تحت عنوان : أدوات العموم ونحو دلالتها.