والمحبوب إذا لم يكن له مزاحم ومانع عن إيجاده في نظر الفاعل ـ وهو معنى الجزم في قبال التردّد ـ لا محالة يقوم الإنسان بصدده ، فالحبّ مع الجزم علّة معدّة لفيضان صورة الإرادة في النفس.

وقد عرفت سابقا : أن الارادة هو الجزء الأخير من العلّة ، وهو في المقدّمة متقدّم على ما هو الجزء الأخير للعلّة في ذي المقدمة ، وإذا كان المحبوب الذاتي والتبعي فعل الغير ، فلا محالة يجب التسبيب إلى إيجادهما من الغير بجعل الداعي إليهما.

__________________

ولا علّيّة إلاّ بأحد هذه الوجوه ، والكلّ غير معقول : أما اقتضاء حبّ لحب أو شوق لشوق أو وجوب لوجوب فلأنه لا معنى لاقتضائه له إلاّ ترشّحه منه ، ومن الواضح أن صفة الحبّ والشوق المتعلقة بشيء لا تكون واجدة إلاّ لذاتها وذاتياتها ، فصفة اخرى مماثلة لها غير متعيّنة بنحو أنحاء التعيّن في مرتبة ذاتها حتى تترشّح منها ، مع أنها متعلقة بشيء خاصّ ، ومتقوّمة وجودا به ، فكيف يعقل أن يترشح منه صفة مثلها متقومة وجودا بشيء آخر مباين لما يتقوم به الاخرى ماهية ووجودا؟! وأوضح من ذلك الوجوب الذي هو أمر اعتباري بحيث لو انحلّ لانحلّ إلى وجود اعتباري ومفهوم ، ولا يترشح مفهوم من مفهوم ، ولا اعتبار من اعتبار.

وأما الشرطية والإعداد فلأنه لا يفرض شرطية الحبّ الذاتي وما بعده وكونه معدّا ومقرّبا للأثر إلى مؤثّره ، إلاّ إذا فرض هناك مقتض لوجود الحب التبعي والشوق التبعي والوجوب التبعي ؛ حتى يكون الحبّ الأصلي والشوق الأصلي والوجوب النفسي شرطا مصحّحا لفاعلية ذاك المقتضي ، أو مقربا للمقتضى إلى مقتضيه ، وليس ما يتوهّم اقتضاؤه إلا الفائدة المنبعث عنها الحب والشوق والوجوب التبعي ، مع أنّ اقتضاءها لها بوجودها الخارجي محال لترتّبها على الفعل المعلول للحبّ والشوق والوجوب ، فكيف تكون مقتضية لتلك الامور ؛ حتى يكون الحبّ والشوق والوجوب الأصلي شرطا لها أو معدّا لها؟! واقتضاؤها بوجودها العلمي كذلك ؛ لأنّ تصوّر الفائدة والتصديق بها علة غائية لا مقتض يترشح منه تلك الامور ؛ بداهة أن التصوّر والتصديق لا يترشّح منهما تصوّر وتصديق فضلا عن صفة اخرى مباينة لها ، بل التصوّر والتصديق المتعلّقان بالفائدة تصوّر ما هو محبوب بالفطرة والجبلّة ، فيتخصّص الحبّ الكلّي بالحبّ الجزئي ، لا أنه علّة لحدوث الحبّ ونحوه بنحو التأثير والاقتضاء. [ منه قدّس سرّه ]. ( ن ، ق ، ط ). ( أ ، ب ).

۵۱۰۱