وكما أن معنى جعل الماهية إفاضة نفسها ، فينتزع منها ـ عند صدورها وفيضانها من جاعلها ـ أنها موجودة كذلك معنى تعلّق الإرادة بها إرادة إفاضتها المستتبعة لانتزاع الوجود منها ، كما أنّ الأمر على العكس منه في جعل الوجود وتعلّق الإرادة به ، فإنّ معنى جعله إفاضة الوجود المنتزع منه ماهية خاصة ، ومعنى تعلّق الإرادة به إرادة إفاضته.

ولا يخفى عليك أن الإيجاد والوجود والإفاضة والفيض متحدان بالذات متفاوتان بالاعتبار ، فمن حيث قيام الصادر الفائض بالماهية يسمّى وجودا لها ، ومن حيث قيامه بالجاعل قيام الفعل بالفاعل يسمّى إيجادا وجعلا وإفاضة.

ومنه يعلم : أنّ القابل لتعلّق الجعل به بالذات هو الوجود دون الماهية ؛ إذ الماهية في حدّ ذاتها واجدة ـ بوجدان ماهوي ـ لذاتها وذاتياتها.

ولو كانت المجعولية والمفاضية حيثية ذاتية للماهية ـ بأن كان تمام حيثية ذاتها حيثية المجعولية والمفاضية ، من دون انضمام حيثية اخرى ـ فهي إذن في حد ذاتها موجودة ؛ إذ لا تنفكّ المفاضية عن الموجودية ، فيلزم انقلاب الإمكان الذاتي إلى الوجوب الذاتي ؛ إذ لا نعني بالواجب بالذات إلاّ من كان ذاته بذاته ـ لا بلحاظ حيثية غير ذاته ـ منشأ انتزاع الموجودية.

وإذا كان انتزاع الموجودية والمجعولية بلحاظ حيثية مكتسبة من جاعلها ، فتلك الحيثية هي بالذات مطابق الجعل والمجعول والإيجاد والوجود.

وهناك براهين أخر على عدم تعقّل جعل الماهية مذكورة في محالّها ، فلتراجع.

ولعلّ ذهاب المشهور إلى تعلّق الأمر بالطبيعة ؛ لذهاب المشهور من الحكماء والمتكلّمين إلى أصالة الماهية وتعلّق الجعل بها.

فالتحقيق : حينئذ تعلّق الأمر بالفرد بمعنى وجود الطبيعة.

۵۱۰۱