قد أسمعناك في بعض الحواشي السابقة (١) : أنّ الإرادة لا يمكن أن تكون إرادية إلى الآخر للزوم التسلسل.
وأما ثبوت الإرادة عن إرادة فقط فلا محذور فيه ؛ بداهة أنّ من لا شوق له إلى فعل الصلاة يمكن أن يحدث في نفسه الشوق إليها بالتأمّل فيما يترتّب على متابعة هواه ومخالفة مولاه إلى أن يحدث في نفسه الشوق إليها ، فينشأ الشوق إليها عن شوق متعلّق بالتأمّل الموجب لحدوثه.
وأمّا سر عدم التكليف المقدّمي بالإرادة فلما أسمعناك آنفا من أن الغرض حيث إنه مترتّب على الفعل الصادر عن إرادة ، لا عن إرادة منبعثة عن إرادة اخرى ، وهكذا فحينئذ لا مجال للبعث نحو الإرادة ؛ إذ معنى البعث جعل الباعث والداعي نحو الشيء ، ولا يكون البعث باعثا وداعيا إلا بواسطة الإرادة ، فالإرادة بنفسها مقوّمة للانبعاث نحو الفعل ، ولا يعقل أن تكون الإرادة مبعوثا إليها ، إلاّ إذا اريد انبعاثها عن إرادة ، والمفروض ترتّب الغرض على مجرّد الفعل الصادر عن إرادة بل مقتضى النظر الدقيق أن الغرض دائما مترتّب على ذات الفعل ، وأن الارادة لا مقدمية لها دائما ، وإنما اعتبرت الإرادة من جهة أن البعث والانبعاث حتّى في التوصّليات لا يكون إلاّ عن إرادة لتقوّمهما بها ، فهي مقدّمة للفعل الواقع على صفة المبعوثية والوجوب لا له مطلقا.
وقد عرفت أيضا (٢) : أن إرادة الغير كسائر مقدّمات فعله مرادة للآمر بإرادة واحدة ناشئة من غرض الوصول إلى المعلول ، ولا يلزم من البعث إلى ما عداها تفويت غرضه ؛ لأنّ نفس البعث النفسي وإن تعلّق بالفعل إلاّ أنّه مقدّمة للإرادة ،
__________________
(١) كما في التعليقة : ١٥٢ ، ج ١ ، عند قوله : ( وأما الثالث فبيانه : أن الإرادة .... ).
(٢) في التعليقة : ٧١ عند قوله : ( قلت : إرادة ذيها ... ).