فتوضيح الحال فيه : أنّ الشوق إلى المقدّمة ـ بما هي مقدّمة ـ لا بدّ من انبعاثه من الشوق إلى ذيها ، لكنّ الشوق إلى ذيها لما لم يمكن وصوله إلى حدّ يتحرّك القوّة العاملة به لتوقّف الفعل المراد على مقدمات ، فلا محالة يقف في مرتبته إلى أن يمكن الوصول ، وهو بعد طيّ المقدّمات. فالشوق [ إلى ] المقدّمة لا مانع من بلوغه حدّ الباعثية الفعلية ، بخلاف الشوق إلى ذيها ، وهذا حال كلّ متقدّم بالنسبة إلى المتأخّر ، فإنّ الشوق شيئا فشيئا يصير قصدا وإرادة ، فكما أنّ ذات المقدّمة في مرتبة الوجود متقدّمة على وجود ذيها ، كذلك العلّة القريبة لحركة العضلات نحوها مثل هيجان القوّة العاملة ، وما قبله المسمّى بالقصد والإرادة ، وما هو المسلّم في باب التبعية تبعية الشوق للشوق ، لا تبعية الجزء الأخير من العلّة ، فإنه محال ، وإلاّ لزم إما انفكاك العلّة عن المعلول ، أو تقدّم المعلول على العلة فافهم جيدا.

هذا كله في الإرادة التكوينية ، وأما الإرادة التشريعية فهي ـ على ما عرفت في محلّه (١) ـ إرادة فعل الغير منه اختيارا ، وحيث إن المشتاق إليه فعل الغير الصادر باختياره ، فلا محالة ليس بنفسه تحت اختياره ، بل بالتسبّب إليه بجعل الداعي اليه ، وهو البعث نحوه ، فلا محالة ينبعث من الشوق إلى فعل الغير اختيارا الشوق إلى البعث نحوه ، فيتحرك القوّة العاملة نحو تحريك العضلات بالبعث اليه. فالشوق المتعلّق بفعل الغير إذا بلغ مبلغا ينبعث منه الشوق نحو البعث الفعلي ، كان إرادة تشريعية ، وإلا فلا.

ومن الواضح : أنّ جعل الداعي للمكلف ليس ما يوجب الدعوة على أيّ حال ؛ إذ المفروض تعلّق الشوق بفعله الصادر منه بطبعه وميله ، لا قهرا عليه ،

__________________

(١) وذلك في التعليقة : ١٥١ ، ج ١ ، عند قوله : ( ثم ان تقسيم الإرادة ... ).

۵۱۰۱